أرسلت سيدة سؤالا إلى دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي « فيسبوك» تقول فيه: « دعيت ربنا أن يستجب لي في أمر ما؛ وبعد أن استجاب شعرت بالندم على إتمامه؛ فهل هذا ندم أم وسوسة، علماً بأني مداومة على الأذكار وقراءة القرآن؟».
وأجاب الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، السائلة عبر فيديو البث المباشر للدار بأن استجابة الله – سبحانه وتعالى- لدعوتها أمر مبشر ويدعوها إلى الفرح والسرور.
وأضاف: لا تُحمل مسألة عدم التوفيق في أمور الحياة على أنها وساوس شيطان؛ فبعض الناس ترجو من الله أن يحدث لها أمر معين ظناً منها أن السعادة فيه؛ ولكن عندما يكون ولا تجد فيه سعادة تحزن وتقنت؛ وهنا تظهر ضرورة الرضا بما قدره المولى – عز وجل-.
ونوه أنه على الإنسان أن يستشعر الرضا دائماً بما قدره له الله – سبحانه وتعالى- ولا يجذع ويعلم أن ما وفقه الله إليه وما حصله له هو الخير كله، مشيراً: و كما يقولون لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع.
واستشهد أمين الفتوى بما روى عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قال: « قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ»، رواه مسلم.
ونصح أمين الفتوى السائلة قائلاً: استشعري الرضا في كل أحوالك؛ ولابد أن تنظري إلى الإبتلاء على أنه رفق من الله، و لا يكون أبداً علامة على غضب الله – تعالى- ؛ فالابتلاء رفعة من الله ويصل بك إلى مقامات عالية في الجنة- إن شاء الله-؛ فلا تنظري إليه على أنه شر بل هو خير، مختتماً: ربما يكون السلب هو عين العطاء.
كيفية التخلص من وساوس الشيطان.. يشكو الكثير من الناس من الوسوسة التي مصدرها الشيطان، فالكثير من الناس يشكّ في طهارته، وطهارة ثيابه، وطهارة الأشياء المحيطة به، وقد تكون الشكوك في الصلوات، ممّا يجعل العبد يفكّر بأنّ الصلاة من الهموم الثقيلة التي يجب التخلّص منها، وقد تؤدي الوساوس إلى ترك الصلاة بشكلٍ كليٍ، وقد تكون الوسوسة في كلّ العبادات.
والمسلم يجب عليه التخلّص من وساوس الشيطان، ويمكن أن يتحقّق من ذلك بالعديد من الوسائل والطرق، وفيما يأتي بيان البعض منها:
1- اللجوء إلى الله -تعالى- بالدعاء، والابتهال، والتضرّع له بصدقٍ وإخلاصٍ، وطلب الشفاء منه.
2- المداومة على قراءة القرآن الكريم، والحرص على ذكر الله - تعالى- في كلّ الأوقات، ومن ذلك: المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ منه، ودعاء دخول المنزل ودعاء الخروج منه، وكذلك دخول بيت الخلاء والخروج منه، والتسمية قبل البدء بالطعام، وحمد الله تعالى بعده.
3- الاستعاذة بالله -عزّ وجلّ- من الشيطان الرجيم ووساوسه، وعدم الالتفات إلى وساوسه، وعدم المضي بوسواسه الخبيثة التي يعرضها على العبد، حيث روى الصحابي أبو هريرة أنّ الرسول - صلّى الله عليه وسلّم- قال: « يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ باللَّهِ ولينتَهِ».
4- الاشتغال بالعلوم النافعة والمفيدة، واستغلال الأوقات في حضور مجالس العلم واستماعها، وتجنّب مصاحبة أهل السوء والضلال، وكذلك يجب تجنب اعتزال الناس وعدم الاحتكاك والاختلاط بهم .
5- الإكثار من الطاعات والعبادات، والأعمال النافعة التي تقرّب العبد من الله تعالى، والابتعاد عن الأعمال التي تلحق بصاحبها تحمّل الذنوب والمعاصي. الحرص على أداء الصلوات جماعةً في المسجد، والحرص كذلك على قيام الليل، وعلى أداء السنن الرواتب.
6- التفكّر في مخلوقات الله تعالى، والتأمّل في الآيات الكونية، فبذلك تتحقّق الزيادة في الإيمان، ويتخلّص العبد من الوساوس والشكوك التي تراوده.
7- العلم بأنّ الله - تعالى- يحاسب العبد على ما يصدر منه، وليس على ما يفكّر ويعتقد به.
من الطّرق ذات الفعاليّة الكبيرة في إبعاد وساوس الشيطان عن الإنسان ما ذكره الإمام الخطابيّ، حيث استخرج بعض الأمور والنّقاط لإبعاد وسوسة الشّيطان عن الإنسان من حديث الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- سابق الذكر حيث قال: « يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ»، وفي رواية « فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله».
1- أن يترك المسلم التّفكير فيما يخطر له من وساوس الشيطان الكثيرة في شتّى النّواحي والمجالات، وأن يمتنع عن تجاولها في ذهنه والاستماع لها، فضلاً عن قبولها والبحث فيها؛ لأنّ ذلك ما يصبو له الشّيطان.
2- أن يلجأ المسلم إلى الله ويستعيذ به من شرِّ الشّيطان وشركه، وصيغة الاستعاذة أن يقول المسلم: (أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم).
3- التوقّف عن مُجاراة الشيطان فيما يوسوس به للمُسلم من أفكار ربما تُؤدّي بصاحبها إلى الشّرك، أو إدخال الشكّ في قلب المؤمن المُوحِّد لله.
4- ألّا يتوجّه المُسلم إلى محاججة الشيطان؛ ويكون ذلك بأن يبدأ بإيراد البراهين والحجج لدحض الأفكار التي وسوس له الشيطان بها، حيث أيده الله بقوّة الحجة ليمتحن عباده من يخضع لتلك الوساوس ممّن قويّ إيمانه واعتقاده بالله ورسوله. أن ينشغل المسلم عن وسوسة إبليس بأن يبحث عمّا يُثبت عكس ما وسوس له في الأمور اليقينيّة الثّابتة عياناً لإثبات عظمة الله وقدرته، كالانشغال بعظمة خلق الله للسّماوات والجبال، وإعجازه في خلق الإنسان، وغير ذلك من الحقائق اليقينيّة الثّابتة التي تُظهِر قدرة الله في ذلك الشيء، فيعلم يقيناً أن وجود الله حقّ لا شك فيه ولا مِراء، ولو أنّه لم يُدرك ذلك حقيقةً بالبصر لقصوره عن ذلك.
كما ذكر الإمام ابن حزم الظاهريّ عدداً من الوسائل لعلاجوساوس الشيطان، منها:
1- أن يُمعن المسلم النّظر في مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، ويُلاحظ إعجازه في مخلوقاته في الأرض والسّماء، وكيفيّة خلق الإنسان والإبداع في تصويره وتكوينه. أن يستشهد بما هو ظاهرٌ له من الوقائع التي تُشير وتدلّ يقيناً على وجود الله وقدرته وتُدلِّل عليه، وترك التّفكير ببواطن الأمور التي يعجز العقل عن تصوّرها، كرؤية الله عزَّ وجلَّ وحقيقة وجوده، وخير مثالٍ على ذلك الاستشهاد ما استشهد به الأعرابي على وجود الله حين سأله أحدهم: « بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدلّ على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السّميع البصير؟».
2- الانشغال بالعلم النظريّ عن العقائد التي تدعو إلى الفلسفة، خاصّةً عند العوام الذين ربما يُؤدّي انشغالهم بعلم العقائد إلى حدوث خلل لعدم استيعابهم تلك العلوم، والأولى أن ينشغل المسلم بالأحكام الفقهيّة والتفرّغ للعبادات عن التفكير فيما يُؤدّي إلى إدخال الشّيطان إلى القلب والفكر والعقل.
3- العلم التام الذي لا يُخالطه شكّ بأن ما أُعطِي مخلوقٌ مهما بلغ من القدرة؛ فإنّما كان ذلك بإرادة ومشيئة الله وحكمته وقدرته، وأنّه لم يأتِ بتلك القدرة بجهده الشخصيّ، ولا بعلمه المُطلق، ولا بنفوذه وجبروته. وساوس الشّيطان بين القرآن والسُنّة لم تكن غاية الشيطان في الوسوسة لآدم إغواءه فقط لأن الله فضله عليه، بل لأنّه لا يريد أن يُطاع الله أبداً، ويكره أن يرى ذلك، وليثبت أنّه خيرٌ من آدم ونسله، قال- تعالى-: « إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا* لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا* يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا»، ويمكن أن يبتعد الإنسان عن وساوس الشيطان وإغوائه بأن يلتزم بعدد من الأمور التي تُنجيه من وساوس الشيطان، وإن أصابه شيءٌ منها فإنّه سيواجهها بقوّة وصلابة، وسيقف أمامها قويّاً مُتماسكاً حتّى يُبعده الله عنها، وإن رضخ إلى شيءٍ منها فإنّه ما يلبث أن يعود إلى طاعة الله بعد أن يستغفره ويتوب إليه.
قد يصاب العبد المسلم بالكثيرمن أنواع وساوس الشّيطان، وفيما يأتي بيان بعض أنواعها:
1- الوسواس الذي يؤثّر على الإيمان بالله –تعالى-، والإيمان برسوله - صلّى الله عليه وسلّم-، والإيمان باليوم الآخر، فالمؤمن لا يتأثّر بالوساوس السابقة لعلمه ببطلانها، وعدم صحتها، كما أنّه كارهٌ وباغضٌ لها، فإن لم يستطع الشيطان إغواء المؤمن بدينه، فإنّه يزعزع إيمانه بوساوسٍ أخرى.
2- الوسواس الذي يؤثّر على النية، فقد يؤثّر الشيطان على نية العبد، ممّا يجعل العبد يشك بنيته، فيتلفّظ بها، وقد يصل الوسواس بالنية بتكرار التلفّظ بالنية أكثر من مرةٍ، إلّا أنّ محلّ النية القلب، كما أنّ النية من الأمور اللازمة لأفعال العباد المقصودة؛ أي أنّها لا تحتاج إلى تعبٍ أو تحصيلٍ.
3- الوسواس الذي يصيب العبد ليؤثّر على الوضوء والصلاة، ويكون ذلك بالوسوسة للمسلم بعدم كمال طهارته؛ فقد يصل إلى الأمر بإعادة غسل الجنابة، أو إعادة غسل الطهارة من الحيض، أو إعادة الوضوء بحجّة أنّه لم يكن صحيحاً، أو بالتشكيك في نسيان غسل عضوٍ من الأعضاء الواجب غسلها في الوضوء، وقد يصل الحال إلى الإسراف في الوضوء من غير عقلانيةٍ.
4- الوسوسة على العبد خلال أدائه للصلاة، ومن صور ذلك: ترديد بعض الكلمات، أو رفع الصوت بها، أو تكرار آيةٍ قرآنيةٍ كاملةٍ، وقد يصل الحال إلى إعادة الصلاة بالكامل، بسبب الشك بعدم قراءة سورة الفاتحة، أو الشكّ في الطهارة أثناء الصلاة، أو عدم القيام بركنٍ من أركانها.
الوساوس هو حديث النّفس بأمرٍ خفيّ بغية ردّها عن الإيمان وإيقاعها في الشّرك أو جرّها إلى المُحرّمات والمُنكرات، فالشّيطان يُوسوس للإنسان بأفكار غريبة، ربما تكون خاطئةً وربما تكون صائبةً، لكن هدفه تشكيك المسلم في عقيدته، أو تضليله للانحراف عن الطّريق القويم.
ويظلّ الشّيطان مُسيطراً على فكر الإنسان ويُلازم صدره حتّى يدفع العبد للاعتقاد بفكرٍ ما يُودي به إلى الشّرك بالله، أو يُودي به إلى الوقوع في المُحرّمات، ويبثّ الفتنة بين الأفراد والأسر والجماعات، ويُثير العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع حتّى يقع الاقتتال بين النّاس، قال – تعالى-: « وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ*وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ».
الشيطان مصدره شَطَنَ أي بَعُد، ومنها غزوةٌ شطونٌ أي غزوةٌ بعيدة، وشطنتِ الدّارُ شُطُوناً إذا بعُدت، وسُمّي الشَّيطانُ بذلك من البعد، ويُقال: شيطن الرَّجلُ وتشيطن: إذا صار كالشَّيطان وفعل فعله، فإنّه يُبعَد عن النّاس نتيجة أفعاله كما أبعد الله إبليس عن الجنة، فيكون سبب تسمية الشيطان بذلك لإبعاد الله له عن النعيم وإخراجه من الجنة بعد أن كان فيها من المُقرّبين، وإنزاله إلى الأرض في أسفل السّافلين بعد أن كان من أهل الجنة وسكانها مع الملائكة المُقرّبين.