قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

د. محمود جلال يكتب: في سبيل مشروع قومي للاستثمار في الابتكار 4

×

ربما يتخيل الكثيرون الصورة الدرامية للمخترع القابع في معمله عازمًا الخروج للعالم بعد سنين من التجارب باختراع جديد يغير صورة البشرية، ولكن الذي لا يتخيله الكثيرون أن هذه الصورة إلى حد كبير قد انتهت في وقتنا الحاضر. والاختراعات الآن هي جهود ممنهجة تتبناها شركات عملاقة حتي أصبحت لها النسبة الحاكمة في عدد الاختراعات المسجلة على مستوى العالم، وهو ما يعني أن القطاع الخاص هو من يقع عليه غالبية الدورفي تبني الابتكار.

لذلك خصصنا هذا الجزء من سلسلة مقالات في سبيل مشروع قومي للاستثمار في الإبتكار للحديث عن جهود الشركات في الابتكار، خاصة في ما يخص الإنفاق نظرا لأن أحد المؤشرات الرئيسية لمدى دعم الشركات للابتكار هو مقدار ما تنفقه على البحوث والتطوير، وتقوم العديد من الشركات بتصنيف إنفاقها على الابتكار كجزء من الإنفاق على البحوث والتطوير. ومع ذلك، من المهم التذكر أن هناك عدة طرق للابتكار تتجاوز إنشاء منتجات جديدة أو تحسين المنتجات الحالية.

وعلى الرغم من أن الإنفاق على البحوث والتطوير ليس المؤشر الوحيد لكيفية تعامل شركة ما مع الابتكار، وإنه يختلف باختلاف الصناعات، إلا أنه بالنسبة للشركات الكبيرة، فإنه يمثل مؤشر أداء مهما للغاية.

ونظرًا لأن معظم ميزانيات البحوث والتطوير للحكومات في بلدان الأعلى استثمارا في البحوث والتطوير ثابته، في حين أن الشركات أصبحت أكثر أهمية في دفع نمو الإنفاق على البحوث والتطوير عالميا، أكثر أهمية في بعض الأحيان من البلدان، أيضا يظل التمويل الحكومي للبحوث والتطوير منصبا في إنشاء تكنولوجيات تحقق التفوق المستقبلي من خلال التركيز على البحوث الأساسية، وهو أمر بالغ الأهمية للتقدم في العقود القادمة، في حين أن البحوث والتطوير في القطاع الخاص أقرب إلى تطوير المنتجات، حيث تتراوح نسبة إنفاق الشركات على البحوث والتطوير من إجمالي إنفاق الكثير من البلدان الأكثر تقدمًا على مستوى العالم مثل الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية والصين، إلي نسب تتراوح بين 70 إلى 78%، وتنخفض هذه النسبة تدريجيا في بلدان مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا لتصل إلى 41% في كندا.

وفي الوقت الذي تتصدر فيه الجامعات والمراكز البحثية بالمراكز الأولى في النشر العلمي على مستوى العالم مثل جامعة طوكيو اليابانية في علم الفيزياء، وجامعة هونج كونج الصينية في علم الهندسة، والأكاديمية الصينية للعلوم في علم الكيمياء، وجامعة هارفارد الأمريكية في علم الأورام، وجامعة كولومبيا الأمريكية فيعلم الأعصاب.

بينما نجد أن الشركات تتصدر المراكز الأولى في تسجيل براءات الاختراع على مستوى العالم مثل شركتي تويوتا وميتسوبيشي اليابانية في مجال الآلات الكهربائية، وشركة هواوي الصينية في مجال الاتصالات، وشركات مايكروسوفت وجوجل وإنتل الأمريكية في مجال تكنولوجيا الكومبيوتر.

ويصل نصيب الجهود التشاركية بين الشركات والجهات بحثية والأكاديمية المختلفة في هذه المنشورات العلمية وبراءات الاختراعات بنسب وصلت في عام 2016 إلى 6% في الولايات المتحدة و2.6% في الصين.

اليوم، مستويات الإنفاق على البحوث والتطوير لعدد من الشركات مرتفعة مثل النفقات الحكومية في مجال البحوث والتطوير لعدد من الدول وذلك أيمانًا منها بأن كل صناعة تحتاج إلى الابتكار وإلا سوف يحدث لها انهيار وأن تمويل الابتكار خيارًا أساسيا ليس له بديل، مما جعلها تقدم سنويا أحدث التكنولوجيات في مختلف المجالات مثل الاتصالات و الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، حيث وصل إنفاق الشركات ما يتجاوز 40% من إجمالي الإنفاق العالمي على البحوث والتطوير (الإنفاق العالمي على البحوث والتطوير 2 تريليون دولار سنويا).

حيث تستثمر سنويا في البحوث والتطوير شركات مثل أمازون الأمريكية 23 مليار دولار، وألفابيت الأمريكية (الشركة الأم لشركة جوجل) 16 مليار دولار، ومايكروسوفت الأمريكية 16 مليار دولار، وسامسونج الكورية 15 مليار دولار، وفولكسفاجن الألمانية 15 مليار دولار، وهواوي الصينية 14 مليار دولار، وإنتل الأمريكية 13 مليار دولار، وأبل الأمريكية 12 مليار دولار، وتويوتا اليابانية 10 مليار دولار، والتي تمثل المزيد، أو نفس الشيء تقريبًا، كحكومات تقع في البلدان الأعلى تصنيفًا في المؤشر العالمي للابتكار لعام 2019، بما في ذلك سويسرا بقيمة 18 مليار دولار (والتي تحتل المركزالأول)، تركيا 17 مليار دولار (المركز 49)، السويد 16 مليار دولار (المركز الثاني) وإسرائيل 15 مليار دولار (المركز العاشر)، والنمسا 14 مليار دولار (المركز 21).

ومن المهم دراسة العلاقة بين مقدار ما تنفقه الشركات على البحوث والتطوير وإجمالي ما تحققه من إيرادات، حيث زاد الإنفاق على البحوث والتطوير في الشركات زيادة حادة على مدار الأربعين عامًا الماضية، والآن تفوق الإنفاق بشكل كبير على التسويق في العديد منها، وجاء ذلك نتيجة دعم قوانين البلدان التي فيها هذه الشركات، الأمر الذي جعل حجم الإنفاق على البحوث والتطوير فيها يتجاوز 10% من إجمالي إيرادات بعض هذه الشركات.

حيث نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت قوانين منذ عام 1981 تمنح إعفاءات ضريبية طبقا وحجم الإنفاق على البحوث والتطوير، مما أعطى حافزًا إضافيًا للشركات للاستثمار في الابتكار، وجعلها تتربع على المركز الأول في الإنفاق الخاص بقيمة 409 مليار دولار بما يمثل 75.3% من إجمالي الإنفاق على البحوث والتطوير في الولايات المتحدة.

أما في الصين فلقد عملت الحكومة علىتعزيز دور الشركات في دفع الابتكار إلى الأمام، وشهد هذا الجهد نقل القدراتالبحثية الحكومية إلى الشركات المملوكة للدولة، ففي عام 1999، تم نقل أكثر من 11000 مختبر حكومي إلى الشركات المملوكة للدولة كجزء من محاولة لتحسين توصيل الشركات المصنعة بمراكز الابتكار، مثل هذه التحركات ساهمت في النمو الملحوظ في نسبة البحوث والتطوير الناتجة من الشركات الصينية من إجمالي البحوث والتطوير في الصين بحيث ارتفعت النسبة من 39.2% في عام 1996 إلي 77.4% في عام 2018 بقيمة 215 مليار دولار محتلة بذلك المركز الثاني في الإنفاق الخاص على البحوث والتطوير عالميا ومتفوقة على الولايات المتحدة في النسبة (75.3%)، ولكن تختلف الصين عن الولايات المتحدة بأن جزء كبير من هذه الشركات مملوكة للدولة.

بينما تقوم الصين حاليًا في إطار حملة "صنعفي الصين 2025"، وهي خطة لزيادة القدرة على التصنيع والإبتكار التكنولوجي في الصناعات الرئيسية. كجزء من هذه الحملة، تم إطلاق 901 صندوق توجيه حكومي بهدف جمع 347 مليار دولار للمساعدة في تخفيف عبء تمويل البحوث والتطوير للشركات الصينية، كما يتم توفير إعفاءات ضريبية مربحة للشركات لزيادة تحفيز الاستثمار في البحوث والتطوير.

وقد تتجاوز قيمة الإنفاق على البحوث والتطوير في بعض الشركات قيمة الأرباح التي تحققها، وهذه هي الشركات التي تهدف في المقام الأول إلى البحوث، وهي شائعة بشكل خاص في صناعات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، حيث ستقوم هذه الشركات بالبحث لعدة سنوات قبل أن يكون منتجها جاهزًا ومن ثم بيعه لشركة صيدلانية أكبر محققًا بذلك صافي أرباح يتجاوز ما تم إنفاقه خلال هذه السنوات.

ونجد أن الشركات العملاقة بالإنفاق الهائل على البحوث والتطوير استطاعت أن تتصدر المراكز الأولى لعام 2018 في حجم الإيرادات عالميًا منها:تويوتا اليابانية التي تحتل المركزالسادس بقيمة إيرادات 265 مليار دولار، بنسبة إنفاق على البحوث والتطوير 3.86% (10مليار دولار)، ومحققة بذلك صافي أرباح بقيمة 23 مليار دولار.

وفولكسفاجن الألمانية التي تحتل المركز السابع بقيمة إيرادات 260 مليار دولار، بنسبة إنفاق على البحوث والتطوير 5.69% (15 مليار دولار)، ومحققة بذلك صافي أرباح بقيمة 13 مليار دولار.

وشركة أبل الأمريكية التي تحتل المركز الحادي عشر بقيمة إيرادات 229 مليار دولار، بنسبة إنفاق على البحوث والتطوير 5.05% (12 مليار دولار)، ومحققة بذلك صافي أرباح 48 مليار دولار.

وشركة سامسونج الكورية التي تحتل المركز الثاني عشر بقيمة إيرادات 212 مليار دولار، بنسبة إنفاق على البحوث والتطوير 6.83% (15 مليار دولار)، ومحققة بذلك صافي أرباح 37 مليار دولار.

وشركة أمازون الأمريكية التي تحتل المركز الثامن عشر بقيمة إيرادات 178 مليار دولار، بنسبة إنفاق على البحوث والتطوير 12.72% (23 مليار دولار)، ومحققة بذلك صافي أرباح 3 مليار دولار.وقد احتلت هذه الشركات كثمار لهذاالإنفاق المراكز الأولى عالميا في مجال الإبتكار حيث تحتل شركة سامسونج المركزالأول، وشركة ألفابت المركز الرابع، وشركة أنتل المركز السابع، وشركة مايكروسوفتالمركز الثامن، شركة فولكسفاجن المركز العاشر، وشركة تويوتا المركز الثالث عشر، وشركةأبل المركز الرابع عشر، وشركة أمازون المركز السادس والعشرون، وشركة ميتسوبيشيالمركز الثلاثون.

وأيضا بما أن براءات الإختراع تعتبر واحدة من أفضل مؤشرات النشاط الإبتكاري للشركات، وتعد خطوة مهمة لتأمين وتحويل جهود البحوث والتطوير إلي مكاسب إقتصادية محتملة، لذلك تتنافس الشركات مع بعضها البعض لتقديم براءات الاختراع وحماية حقوقها مما يساعدها على قفل حصتها في السوق المتعلقة بالابتكار، وبالنظر إلي عدد طلبات البراءة الدولية في عام 2018 للشركات الأعلى إنفاقا على البحوث والتطوير، نجد أن شركة هواوي إحتلت المركز الأول بعدد 5405 طلب، وشركة ميتسوبيشي المركز الثاني بعدد 2812 طلب، وشركة إنتل المركز الثالث بعدد 2499 طلب، وشركة سامسونج المركز السادس بعدد 1997 طلب.

وبعد أن إستعرضنا في هذا المقال والمقالات السابقة المؤشر العالمي للإبتكار، والإنفاق الحكومي والخاص على البحوث والتطوير، وسياسات الدول الرائدة في مجال الإبتكار، يتبقى لنا الحديث في المقال القادم عن ملامح السبيل لمشروع قومي الاستثمار في الإبتكار.

ولحديثنا بقية،،