الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انقراض ثقافة الاحترام


* غالبًا ما تقاس نهضة الشعوب بثقافات مختلفة، لكنها في النهاية تصب في قالب الشعور الراقي احترام كل ما هو آخر، والاحترام هو قيمة و مشاعر راقية متحضرة يتحلى بها الإنسان نتيجة تربيته منذ الصغر على قيم أخلاقية وسلوكية بضرورة تقدير قيمة الآخر واحترام رأيه. نحن دومًا نتباهى بالقيم الجميلة التي كانت فينا، ونردد ماذا حدث للدنيا ؟ وأين اختفى الشعور الراقي بثقافة الاحترام لكل ما هو آخر، وأصبح الغدر والخداع وخيانة الكلمة سلوكيات جديدة على مجتمعنا، فإذا كنا قد عشنا تلك الأخلاقيات الكريمة التي تربينا عليها وربينا عليها أولادنا . إذًا ما الذي تغير فينا وجعل ثقافة الإحترام تختفي من بين كثير من العلاقات بيننا؟ 
في لقاء جمعني بالفنان الكبير أطال الله عمره سمير الإسكندراني كنا نتجاذب أحاديث في أمور مختلفة، وفجأة سألني عن ما الذي أحبه من أغانيه؟ بادرته على الفور متغنيا بأغنيته الشهيرة: 
مين اللي قال إن الزمان مالوش أمان..
دي قلوب الناس هي اللي ورا غدر الزمان .. يا عيني، 
وكنت أغنيها من أنات قلبي فشعر بها الفنان الرائع وقال : ياااااه إنت محروق أوي ، كانت حرقة قلبي عما تغير في قلوب البشر، في تعاملاتهم مع بعض، ولم يكن للزمان أو الوقت أو المكان ذنب، ما تغير فينا هو احترامنا لبعضنا،
وبدايته احترام الإنسان لذاته كقيمة إنسانية ، لابد أن تتعامل برقي المشاعر.
ويزداد في كل لحظة تساؤل ماذا جرى لقلوب البشر؟ حين تخرج من بيتك تجد أصناف كثيرة من نماذج لا تقدر ولا تعترف بثقافة الاحترام في كل تعاملاتها، حين تقود سيارتك وتجد من يأتي في الطريق المضاد أو من لا يحترم خط سيره ويعتدي على حرمة الطريق وحارات المرور ، والنتيجة لا قدر الله كوارث على الطريق ، وحين تجد في المصالح الحكومية من لا يقدر إنسانيتك ويتعامل بغطرسة الموظف الروتيني ولا ينجز مهام عمله إلا إذا أظهرت له طريقتين ، إحداها تقديم صباح الفل وهي عبارة عن مبلغ مالي مقابل إنجاز شؤونك، أو أن يكون لديك واسطة وإلا فما تطلبه سيتعطل وسط برود غير مقبول من تلكؤ الموظف في إنجاز عملك ، فلا تقدير لقيمة المواطن ولا وقته، وتنتشر تلك الأساليب في كثير من المؤسسات الخدمية ، وحتى بين الجيران ونقول ماذا جرى للدنيا؟ 
وما ذنب الدنيا في قلوب تتعثر سلوكيًا فتغرق في رذائل الأحاسيس، أصبح عدم احترام الكلمة صفة عند البعض ، فمن السهل أن تجلس وسط مجموعة وتستمع لحكايات شتى عن ذاك الصديق على الرغم من كونه أحد المقربين لهم وربما ينال الحوار إحدى بنات الأسرة، فهل انقرضت الأخلاق أم كيف تربى هؤلاء؟ المؤسسات التربوية والدينية تأتي على رأس المتهمين بضياع ثقافة الأخلاق والاحترام وفي اعتقادي أن مسرحية مدرسة المشاغبين كانت سببًا في فساد التعليم، وبداية لانهيار القيم الجميلة ، فالاحترام يبدأ من المؤسسة التربوية منذ بدايات التعليم لابد أن يتعلم المتعلم كيف يحترم الآخر في إنصاته للكبير ، وتشجيعه على إبداء رأيه بأدب وعدم التجريح والسباب ، تربيته على أن الآخر له نفس الحقوق وعليك وعليه واجبات، ولكن نماذج كثيرة سقطت في الطريق ، حين اختزل بعض المعلمين كل طموحاتهم في كيفية انتفاخ حافظتهم بإجبار الطلاب على الدروس الخصوصية، وسقطت يد المربي لتتناول جنيهات من يد تلميذه لتشبع أمعاء معلمه ، حينها بدأ التطاول على المربي وأصبحت جرائم الاعتداء على المربي سواء من الطالب أو ولي الأمر معتادة في صفحات الحوادث. 
ومن خلال تلك المنظومة الفاسدة نشأ الطبيب الذي باع ضميره وتاجر بأعضاء مرضاه ، وتلاعب بالأمانة التي حملها، وسيطرت عليه غرائزه ارتكب جرائم أخلاقية في حق مريضاته ، ومن خلال تلك المنظومة ظهر الأستاذ الجامعي الذي يكرس جهوده للتلاعب في نتائج الإمتحانات لتعيين نجله في الكلية. وظهر المهندس الفاسد التي تضج المحليات بهم وتتهاوى العمارات بسبب طريقة التعامل وهي ( الرشاوي للتغاضي ). وكذلك ظهرت بذور فساد أخرى في كل الهيئات والمؤسسات و حين نتساءل ماذا حدث للدنيا ؟ ولماذا غاب الضمير ؟ 
لأبد أن نصحح السؤال : ونقول ماذا حدث لقلوب وضمائر البعض ؟ كيف امتلأت قلوب البعض بـغمامة السواد التي سيطرت عليها ؟ وكيف نعيد صيغة الحب والإحترام لبعضنا ؟ وكيف نربي أولادنا على ثقافة الاحترام وتقدير قيمة الآخرين واحترام رأيهم . الآن حين تعترض على قرار أو تنتقد مسئولا حكوميا فالرد عليك سيكون بطريقتين، إما إنك خائن. 
أو عميل ، وحينها سيتدخل أحد أصحاب مهن التلميع الورنيشي ويتهمك في شرفك ويقدم لرئيسه براهين كاذبة.
على أنك مرتشي وعميل، وأنهم يتسترون عليك من أجل خاطر أسرتك . ثقافة الإختلاف في النقاش ندرت من قاموسنا ، فلا أحد يستوعب رأيك الناقد، لابد أن تكون مؤيد لكل ما يقوله رئيسك، وإلا فأنت معطل لجهود سيادته في التنمية والنهضة . المؤسسات الإعلامية والفنية التي تقدم صورة سيئة للتعامل مع الآخر ومع الكبير في صور مفقود فيها الاحترام و الأخلاق ، أصبح الفن الآن للأسف وسيلة فساد لجيل كامل في الألفاظ السيئة ، والملابس الخليعة دون احترام لتقاليد أو شعور الآخرين، والأمثلة كثيرة ويؤسفني لو ذكرتها كاملة ، أذكر حين بدأت منظومة التموين الجديدة التقيت الدكتور خالد حنفي وزير التموين الأسبق وقال لي إنه إعتاد جمع مستشاريه ووكلاء الوزارة لكي يستشيرهم في القرارات المصيرية قبل أن يعلنها ، ويحذرهم من الفيض في الحديث عن مزايا قراراته ، وحين تعجبت من كلامه قال لي من الطبيعي إن أحدا منهم لن يجرؤ علي الإعتراض بل جميعهم سيمدحون قرار الوزير ، لكني أقول لهم لا أريد الحديث عن مميزات قراراتي بل أريدكم أن تتحدثوا عن أخطارها لأنكم تبصرونني قبل الوقوع في فخ التراجع ومواجهة الرأي العام والمتربصين . وأضاف كنت اشجعهم على انتقاد قراراتي في مكتبي وأنصت لهم باحترام شديد، فعشت بين مجموعة من المخلصين ، إذًا احترام الرأي يقودك لنجاحات وليس العكس ، ولكن في أيامنا تلك تجد الكثير منا خبير في كل شئ فعندما تجلس مع أحدهم وتتحدث عن أزمة سد النهضة تجده خبير في الحل، ومعارض لاتجاه الدولة، وحين تتحدث عن الأخطار التي تواجهها مصر بشجاعة سواء اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو اجتماعية أو رياضية تجد المتحدث معك خبير في كل شئ ، ويتحدث في كل شئ ولا يحترم وظيفة الآخر وتخصصه، أصبح لدينا مفتي في كل شئ. ثقافة الاحترام سلوك مسئول عنه الأسرة والمؤسسات التربوية و الدينية والإعلامية فقبل أن تهتز سلوكيات الجيل الجديد أنقذوه، فهل من إطلاق وتبني مبادرة لعودة ثقافة الاحترام والإختلاف، هل من فقرات وندوات لإبراز الدور التوعوي وتدعيم مفاهيم المبادرة. 
ترى: كيف تكون محاور التحرك؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط