قمة كوالالمبور الإسلامية التي ضمت قطر، باكستان، تركيا، وإيران وماليزيا، والتي انتهت يوم أمس حملت رسائل عدة للدول الإسلامية العربية على وجه الخصوص، أنه ثمة بديل لمنظمة التعاون الإسلامييمكن تشكيلها وأخذ المبادرة من السعودية ووضعها في أيدي المسلمين العثمانيين، الذين يتمنون استرداد المبادرة التي فقدوها في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى انهيار خلافة السلاطين العثمانيون ولم تقم لهم قائمة ثانية.
وما زال المستبدون من رؤساء الدول الاسلامية الذين اجتمعوا في كوالالمبور وهم يغرقون في مستنقع السلطة، يتمسكون بالانتهازية الدينية علّها تنقذهم من الموت المحتوم الذي يلاحقهم أينما حلّو نتيجة الفشل في خداع الشعوب بعمائمهم البيضاء وجلابيبهم السوداء. داء منتشر يصعب على من أبتلى به التداوي منه بسرعة وكذلك الشفاء العاجل منه، نتيجة تغلغله في عقلية الانسان المستبد وانتشاره في كل خلايا جسده وكل شعرة في لحيته والتي تشبه زبانية جهنم على وجه منافق. وهذا ما يؤثر على نفسية وشخصية المستبدين من الزعماء والرؤساء والكهنة على مر التاريخ وحتى يومنا الراهن.
قمة كوالالمبور تمثل بكل تأكيد الانتهازية الدينية والتي هي السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف - مع عدم الاهتمام بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين. وأفعال الشخص الانتهازي الديني أو المنافق هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية. وتشكل الأرضية الخصبة لنمو وظهور الإنسانالمستبد والديكتاتور والسلاطين.
والانتهازية الدينية والتي تحولت إلى صيغة الإسلامالسياسي وأنها بهذا المفهوم السلبي تتطابق ونظرة الفيلسوف الإنجليزي توماس هويز – صاحب المدرسة النفعية – للإنسان، حيث يصوره بأنه ذئب يتربص بأخيه الإنسان ليفتك به، فهو يسعى دائمًا للحصول على القوة ليقهر بها الآخرين، وإذا افتقر إلى القوة الكافية لجأ إلى الحيلة والمكر والدهاء والدين والخديعة تحت شعار "إنما الحرب خدعة" لكي يقهر غيره.
يمتاز المنافقون ممن اجتمع في كوالالمبور وغيرهم بسمات وسلوكيات شخصية تميزهم عن غيرهم, وأولها انعدام الصدق، وهذا يؤدي إلى انقلاب للمفاهيم وانتكاس الموازين، فيصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفا والصديق عدوًا والعدو صديقًا. وثانيها هي كثرة تشدقهم بالمثاليات والمبادئ وذلك ذرًا للرماد في العيون وإبعادًا للتهمة عنهم وإمعانًا في خداع الناس وأفضل من يمثل ذلك أردوغان ومواقفه من القدس وغزة. وكذلك من أهم صفاتهم أنهم بحق يُعتبرون (ظاهرة صوتية) دون إنتاج، وهم يدركون ذلك فيرتكزون على جهود الآخرين ويسرقونها دون أدنى حياء، فتجد التركيز على ما له مردود إعلامي وتضخيمه وكأنه من المعجزات!. وأيضًا تقديم المصلحة الطائفية والفئوية على المصلحة العامة للوطن والشعب فرغم ما يتشدقون به إلا إنهم نادرًا ما يقومون بفعل أي شيء لا يتعلق بخدمة الذات، فهم أناس غارقون في الأنانية المفرطة. يحيطون أنفسهم بهالة من الوهم وكأنهم خلق آخر أو آلهة، وهذا تفسير تشبث المنافقين بكرسي السلطة الإلهية ولا يمكن أن يتركوه بإرادة منهم وفق رؤيتنا للتاريخ.
ربما كانت عقدة الاستبداد الثقافي التي ابتلينا بها هي أساس ما وصلنا إليه من ظاهرة تفشي الاستبداد السياسي في المنطقة. فثقافة التعصب القومي والتطرف الديني التي تشربنا بها على يد رجال العلم من كِلا الطرفين إن كانوا دينيين أو قوميين، جعلتنا نعيش في قصور من الوهم الذاتي الذي أوصلنا لإقصاء الآخر المتمم لنا في كل الأحوال.
داء التفوق القوموي والديني على الآخر جعلنا نسير على خُطى المستبدين الذين سبقونا الذين حاولوا يومًا ما أن يكون عرقهم هو المتفوق على باقي الأعراق من قبيل موسوليني وهتلر وفرانكو من الناحية القوموية. أما دينيًا فما زال الصراع والتنافس على أشده حتى نجاة الفئة الثانية والسبعون وأن الدين عند الله هو ....!. وحتى أنه ثمة من عمل على تزاوج الدين بالقوميةللوصول لأعلى مراحل فاشية الرأسمالية الدينية كما في تركيا أردوغان.
على الدول الاسلامية وخاصة السعودية التي تعتبر قلب العالم الإسلاميوكذلك مصر والعراق وسوريا... أن تعتبر هذه القمّة هي جرس إنذار لكل الرؤساء المُسلمة، لعلّها تصحو من غفوتها وتراجِع سياساتها ومواقفها، من قضايا الشعوب وخاصة الكرد منهم لما يلاقونه من ظلم وجور على أيدي من ادعى الإسلامفي قمة كوالالمبور.
أردوغان المستبد والمنافق يلهث وراء هذه القمة ليستعرض عضلات كلامه المعسول ثانية وليجعل من نفسه حامي الديار الاسلامية وكأنه المهدي المنتظر، ويستغيث بالمستبدين من أمثاله للنجاة من السقوط والانهيار. ومحاربة المنافقين والمستبدين والانتهازيين الدينيين يبدأ من التشهير بأردوغان وكشف حقيقته للعالم على أنه خير من يمثل أبو لهب أو الأعور الدجال.
وكذلك مساندة حق الشعب الكردي في الدفاع عن نفسه واجب على كل الدول الاسلامية، لأن الكرد الآن هم من الذيم يمثلون الدين الإسلاميالحق في قتالهم المنافقين والمرتدين عن الدين الحقيقي.
لا يمكن أن أكون موجودًا بعيدًا عن الآخر وكما قالت الكاتبة "آنجيل الشاعر" أن وعي الذات هو وعي الوجود الإنساني؛ وبالتالي هو الطريق الوحيد إلى وعي العالم واستيعابه، لا بل لاحتوائه ومشاركته هذا الوجود. هذه الهبة وذاك الاحتواء لا يجدهما الفرد إلا في استبدال الكراهية بالحب، والتعصب بالتسامح، والعنف بالسلام، وقد يعتبره البعض ترفًا ثقافيًا، لكننا نسعى إليه بكل ما لدينا من أمل وحلم بوعي جديد وثقافة جديدة.