هل يجوز أن يهب كلا الزوجين نصيبه للآخر بعد الوفاة.. المفتي يرد

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمى تقول صاحبته: «كتب لي زوجي رحمه الله نصف شقة مملوكة له، على ألا يقوم أحدنا بالتصرف في الجزء المملوك له إلا بالرجوع للآخر، وفي حالة وفاة أحدنا تؤول الشقة بالكامل إلى الآخر، فما حكم ذلك؟».
وأجابها الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية قائلًا: " إن الأصل والمقرر شرعًا أن الإنسان حر التصرف فيما يدخل تحت ملكه؛ ببيعه أو هبته أو وقفه أو إجارته أو غير ذلك من التصرفات الشرعية التي هي فرع عن الملك".
واستشهد «علام» في إجابته بما رواه الدار قطني والبيهقي عن حِبَّان بن أبي جَبَلَة- رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: «كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، فهذا الحديث يقرر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله، ومن ذلك تصرفُه بالهبة.
وذكر ما الإمام المواق في "التاج والإكليل لمختصر خليل"من أن[الهبةُ تَمليكٌ بلا عِوض]، وقول الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب": [والهبة.. تمليك في الحياة بغير عوض].
وأوضح المفتى أن الفقهاء اختلفوا في حكم تعليق الهبة على شرط إلى قولين: الأول : ذهب فيه الحنفيَّةُ والشافعيَّةُ والحَنابلةُ إلى القول بالمنع؛ لأن الهبة عندهم كالبيع يراد بهما تمليك معين حال الحياة؛ فلا يجوز تعليقهما على شرط مستقبل، لكنهم اختلفوا في صحة هذه الهبة المشروطة على قولين؛ أحدهما: بطلان الهبة، والثاني: تصح الهبة ويبطل الشرط.
وأضاف أن الإمام الكاساني قال في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع": [وتمليك العين للحال من غير عوض هو تغيير الهبة، هذا إذا كان الإيجاب مطلقًا عن القرينة، فأما إذا كان مقرونًا بقرينة، فالقرينة لا تخلو (إما) إن كان وَقْتًا (وإما) إن كان شَرْطًا.. وإن كانت القرينة شرطًا نظر إلى الشرط المقرون، فإن كان مما يمنع وقوع التصرف تمليكًا للحال يمنع صحة الهبة وإلا فيبطل الشرط وتصح الهبة].
وواصل أن الإمام ابن قدامة في "المغني": [ولا يصح تعليق الهبة بشرط؛ لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فإن علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة: «إنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إلَى النَّجَاشِيِّ فَهِيَ لَك» كان وعدًا].
واستكمل بما ذكره الإمام المرداوي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف": [(ولا يجوز تعليقها -أي الهبة- على شرط).
ونبه أن القول الثاني جاء فيهجواز تعليق الهبة على شرط مستقبلي، وهو رواية عن الإمام أحمد، كما أنه مذهب الحنفيَّة ما دام الشرط ملائمًا بحيث لا يمنع وقوع التصرف تمليكًا للحال.
وأفاد بما قاله العلامة ابن عابدين في "الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)": [ويصح تعليق الهبة بشرط ملائم كوهبتك على أن تعوضني كذا].
وأبان " قال الإمام المرداوي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف": [ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي الحارث صحة دفع كل واحد من الزوجين إلى الآخر مالًا على ألا يتزوج. أما الزوج: فمطلقًا. وأما الزوجة: فبعد موت زوجها. ومن لم يف بالشرط لم يستحق العوض؛ لأنها هبة مشروطة بشرط. فتنتفي بانتفائه].
وأشار إلى أنه بالقول الثاني أخذ القانون المدني فيما يتعلق بالهبة؛ حيث نصت المادة (502) منه على أن: [الالتزام في عَقدِ الهبةِ شأنه شأن سائر العقود قد يكون معلقًا على شرط فاسخ، فإذا تحقق الشرط ترتب على ذلك زوال الالتزام، وجاز للواهب أن يسترد ما وهبه، ولا يشترط في هذه الحالة أن يستند الواهب إلى عُذرٍ مقبول، وإنما يكفي تحقق الشرط، كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بقيام مانع من الرجوع في الهبة؛ لأن العقد شريعة المتعاقدين ويجب عليهما تنفيذ ما اشتمل عليه].
واختتم أنه بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال تكون هبة كلا الزوجين نصيبه للآخر وإرجاء تملكه إلى ما بعد الموت تصرفٌ صحيحٌ شرعًا، لكنه يخرج من كونه هبةً بعد موت أحدهما ويصير وصيةً نافذةً في حُدودِ ثلث التركة للوارث وغيره، ولا يشترط في ذلك إجازة الورثة، فإن زادت على الثلث لا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي.