الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

(وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ)!


في القرآن الكريم جاءت كلمة "الشح" بمعنى أشمل من كلمة "البخل"، فالشح يعني الأنانية والمنع والاستئثار بكل شىء مادي ومعنوي، أما البخل فهو منع المال فقط، فالإنسان الشحيح هو الأناني الذي يرى أن له على الأخرين كل الحقوق وعليهم له كل الواجبات.
مع أن الله تعالى يتعامل مع الناس على أساس الأخذ والعطاء: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) البقرة 152، فالأخذ والعطاء هنا يعني أن من يذكر الله عبادة ودعاء، فإنه تعالى يذكره بالرحمة والمساعدة، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ..) محمد 7، فالمؤمن يبدأ بنصرة الله فينصره تعالى، فالعلاقة بين الله تعالى وبين الناس تقوم على الأخذ والعطاء، أما الانسان الأناني فهو يأخذ فقط ولا يعطي.

وينبهنا تعالى إلى وجود الأنانية في نفس كل إنسان، وإلى أهمية علاجها خصوصًا فى التعامل بين الزوجين منعًا للمشاكل بينهما: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء28 .

وفي قوله تعالى (..وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ..)، نفهم أن الشح موجود داخل كل نفس، ويظهر في العلاقات الإنسانية ومنها العلاقة الزوجية، فمثلًا لو خافت الزوجة من زوجها الإساءة فى معاملتها أو الإعراض عنها فيجب اللجوء للصلح القائم على الصراحة والعدل، وبالتالي يمكن الإصلاح بين الزوجين بعلاج الأنانية والشح بالإحسان من خلال العفو والصفح، وبالتقوى من خلال فعل الخير.

كما أن العلاج من الشح يكون بعكسه وهو الإنفاق فى سبيل الله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن 16. 
ومن المواقف التي سجلها تعالى موقف الأنصار في المدينة عند استقبالهم للمهاجرين، بحيث كان الأنصار يؤثرون المهاجرين على أنفسهم حتى مع احتياجهم للشيء الذي يعطوهم إياه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر 9.
إن الشح والبخل والاستئثار من مظاهر ضعف الإيمان، فالمؤمن الحقيقي يعلم أنه لابد من دفع ثمن دخوله الجنة، لذلك يبني حياته على العطاء، أما غير المؤمن فيرى أن السعيد في الدنيا هو الغني بالمال والمستمتع بالشهوات، ولذلك سيبخل ولن يعطي شيئًا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل 10-5، ونفهم أن البخل يرتبط بالكفر، ويرتبط العطاء بالإيمان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط