الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جعلوني متنمرا!


وقف الشاب بجسده الممتلئ وبشرته السمراء في إحدى جنبات الطريق بين رفاقه وأصدقائه الذين اختارهم ليكملوا معه مسير الحياة، وضحكاتهم على مرأى ومسمع من الجميع حيث كانت تدوي في أرجاء الشارع كله، لم تكن ضحكاتهم العالية على مزحة أطلقها أحدهم اقتبسها من مسرحية كوميدية أو من فيلم سخيف، إنما كانت مزحة على ذلك الجسد البدين وتلك البشرة السمراء، فأخذوا يطلقون التشبيهات والكلمات الساخرة على صديقهم الواقف بينهم.
المشكلة الكبرى هنا أنه كان يقف بينهم وتشبيهاتهم تثير ضحكاته معهم، توالت الأيام وتكررت الوقفات والتشبيهات والسخرية والضحكات حتى حفظ كل المارة بالشارع تلك الكلمات التي يطلقونها عليه بشكل يومي، وبدأوا في التفاعل معهم وإطلاق نكات جديدة على صاحبنا الذي سكت وأعطى الفرصة لكل شخص أن يخرج ما بداخله من كوميديا.
بدأ صاحبنا يشعر بالضيق تجاه ما يقال عنه ويضجر من شكله وجسده البدين وبشرته السمراء وانقطع عن أصدقائه وعن الشارع إلا في أضيق الحدود، حتى أصبح حبيس أفكار المتنمرين الذين لا يعبأون بمشاعر الآخرين لكنه نسي أنه من سكت أولا وأعطى الفرصة لكل هذا...
وهنا أقول لكم إن التنمر خطأ لا يقع فقط على المتنمرين الأغبياء لكنه أيضا يقع على الشخص نفسه الذي يتنمرون عليه ويسخرون منه بصمته وسماحه لأقرب الناس إليه بالسخرية منه بحجة المزاح وإطلاق الضحكات، هي فقط بداية لتكون شبكة ودائرة أوسع من الساخرين حتى يتحول الموضوع تدريجيا إلى التنمر الذي نعاني منه الآن.
هذا النوع الذي ذكرته من التنمر هو موجود بين كل مجموعة من الأصدقاء بينهم شخص سمح لهم ولنفسه أن يسخروا منه لتخرج تدريجيا كما قلت إلى دائرة أوسع، وأنا شخصيا كنت أحد هؤلاء الأشخاص الذين سمح لأصحابه وأقاربه أن يسخروا منه، ثم بحثت عن آخرين لأسخر أنا منهم لأشبع تلك الرغبة وذلك الإحساس الغبي لدى المتنمر.
يقول تعالى في كتابه العزيز في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ولكن كيف لك أن تكون خيرا من هؤلاء المتنمرين وأنت تضحك معهم ثم تغضب وتنفر بعد ذلك، عليك أولا أن ترفض كل ذلك، وأن تتخذ مواقف صارمة مع هؤلاء المتنمرين ليصمت كل منهم ويكف عن إيذائك النفسي، ثم تمتنع عنهم لفترة من الوقت ليعي كل منهم جيدا خطأه الذي ارتكبه في حقك.
ثم تبحث في ذاتك وفي حياتك عما يميزك عن هؤلاء المتنمرين لتصبح شخصا ذا كيان يشار إليه بالبنان، تصبح شخصًا يخجل هؤلاء المتنمرين من ماضيهم وسخريتهم وتنمرهم عليك، أنت تستحق هذا، أنت أفضل من كل هؤلاء، لكن عليك أن تبدأ بنفسك أولا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط