هل يتحدث أهل الجنة وهم فيها إلى أهل النار؟ ثبت في القرآن الكريم أنه كما يتحدث أهل الجنة إلى بعضهم، ويتحدث أهل النار إلى بعضهم، كذلك يتحدث أهل الجنة إلى أهل النار، وأهل النار إلى أهل الجنة، فيزداد أهل الجنة فرحًا بنعمة الله عليهم بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار، ويزداد أهل النار ندامة وحسرة، لفوات الفضل وحصول العذاب.
قال تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» (الأعراف: 44)، وقال تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ» (الأعراف: 50)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ينادي الرجلُ أخاه أو أباه، فيقول: قد احترقت، أفض عليَّ من الماء!، فيقال لهم: أجيبوهم! فيقولون: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ».
تحدُّث أهل الجنة مع أهل النار
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أن القرآن الكريم كتاب الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كما قال تعالى: «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» [فصلت: 41-42]، وقال تعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا» [النساء: 82].
جاء ذلك في إجابته عن سؤال مفاده: «قال الله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» [الأعراف: 44]. وفي آية أخرى «لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ» [الأنبياء: 100]، فكيف يتحدث أهل الجنة مع أهل النار وهم لا يسمعون في الآية الثانية؟».
وقال «جمعة» إن إثبات السماع لأهل النار في موضعٍ ونفيُهُ عنهم في موضعٍ آخر محمولٌ على اختلاف الأحوال التي يمر بها أهل النار؛ فتارةً يُحشَرون صُمًّا كما يُحشَرون عُمْيًا زيادةً في عذابهم؛ كما قال تعالى: «وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا» [الإسراء: 97]. وتارةً يُسمِعهم اللهُ تعالى نداءَ أهل الجنة ويُمَكِّنُهم من إجابتهم، وتارةً يُجعَلون في توابيت من نار، والتوابيت في توابيت أُخَر.
وأضاف: وهو محمولٌ أيضًا على أنهم لا يسمعون ما ينفعهم وإنما يسمعون أصوات المعذَّبين أو كلام من يتولى تعذيبَهم من الملائكة، هذا إن حُمِلَ الضميرُ في قوله: «وَهُمۡ فِيهَا لَا يَسۡمَعُونَ» [الأنبياء: 100] على أهل النار، أما إن كان راجعًا إلى المعبودين -على ما قاله الإمام أبو مسلم الأصفهاني- فلا إشكال، ويكون المراد أنهم لا يسمعون صراخهم وشكواهم سماعَ إغاثةٍ ونُصرةٍ على حد قول القائل: سمع الله لمن حمده أي أجاب الله دعاءه؛ كما وصفهم الله تعالى في الدنيا في قوله: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)» (سورة الأحقاف: 5-6).