اغتسال المصاب بالعين بماء وضوء العائن لعلاج المسحود من الحسد، وورد في السنة النبوية فيحديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» رواه مسلم (2188)، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ» رواه أبو داود (3880).
وتعود قصة اغتسال المصاب بالعين بماء وضوء العائن، إلىالصحابي سهل بن حنيف حينما كان يغتسل ولون بشرته أبيض، فقال عامر بن ربيعة جلده كاللبن، فخر سهل بن حنيف مخشيًا عليه، فذهب به بعض الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرّاَكْتَ».
هل الحسد يسبب الموت
وورد ذكر هذه القصة في حديث صحيح رويعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ، حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ!! فَلُبِطَ بِسَهْل، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ؟ وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَمَا يُفِيقُ، قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟»، قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟»، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اغْتَسِلْ لَهُ»، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» رواه أحمد في "المسند" ( 25 / 355 – 356).
أقسام العين
تقسم العين إلى ثلاثة أقسام، وهذا ليس تقسيمًا قطعيًّا: أولًا: العين المعجبة: وهي التي يكون مسؤولًا عنها الشخص نفسه؛ بحيث يفرط في الإعجاب بنعمةٍ ما، دون أن يباركها، فبذلك يفسدها يإذن الله، فيقول تعالى في سورة الكهف: «وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا» (سور الكهف: 39).
يقول ابن حجر: «إنّ العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحبّ ومن الرجل الصّالح ، وإنّ الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدّعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه».
ثانيًا: العين الحاسدة: تكمن في تمنّي زوال النعمة عن المحسود، وتكون مكلّلة بالصّفات الذميمة كالغيرة، والحقد، والكراهية.
ثالثًا: العين القاتلة «السمية»: من أكثر أنواع العين ضررًا؛ فهي تخرج من العائن إلى المعيون مباشرةً بقصد الضرر به. فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعامر بن ربيعة لما حسد سهل بن حنيف: «عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرّاَكْتَ».
كيف تعالج نفسك من الحسد
إذا علم أن إنسانًا أصابه بعينه أو شك في إصابته بعين أحد فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه، فيحضر له إناء به ماء فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى ثم يغسل إزاره ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة فيبرأ بإذن الله، وهذه الكيفية رواها البيهقي عن الزهري في سنن البيهقي (9/ 352).
فإن صب المصاب بالعين على نفسه، واغتسل بهذا الماء، فقد حصل المقصود إن شاء الله، ولو بقيت فضلة من هذا الماء، فلا يظهر وجه لاشتراط استيعابه، وإنفاد جميع الماء في الغسل.
كيفية صب ماء العائن على المعيون
الظاهر أنه يصب الماء على رأس المصاب وما أمكن من جسده من خلفه ولايلزم أن يكون عاريًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بصب الماء على سهل فصبه عليه أحد الصحابة، ولا يلزم أن يشمل جميع جسد المصاب بماء غسل العائن ويكفي أن يصب عليه، ففي رواية الموطأ للإمام مالك: فغسل عامر، وهو الذي أصاب سهلا بالعين، وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه، على سهل، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
وروى البيهقي في السنن عن ابن شهاب الزهري كيفية الغسل، وأن الماء يصب على رأس المصاب، فقال: ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة.
وفي المعجم الكبير للطبراني عن الزهري قال: ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح فيصبه على رأس المعيون من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه الأرض من ورائه.
قال الحافظ في الفتح: وقد وقعت صفة الاغتسال في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي، وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وساروا معه نحو ماء حتى كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط أي صرع-وزنا ومعنى- سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: هل تتهمون به من أحد قالوا: عامر بن ربيعة، فدعا عامرا فتغيظ عليه فقال علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال: اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
طريقة كيفية وأماكن الغسل
طريقة كيفية وأماكن الغسلفهي على النحو التالي:غسل وجه العائن، غسل يديه إلى المرفقين،غسل ركبتيه، غسل داخل إزاره،أن يكفأ المصاب بالعين الإناء من خلفه بغتة ويغتسل به.
وقال المناوي في كتاب(فيض القدير – 4 / 324): «قال القرطبي: وصفته عند العلماء أن يؤتى بقدح من ماء ولا يوضع القدح بالأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله يغسل به كفه الصحيحة ثم بيمينه ما يغسل كفه اليسرى وبشماله ما يغسل مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم شق رأسه اليمنى فاليسرى على الصفة والترتيب المتقدم وكل ذلك في القدح ثم داخله الإزار وهو الطرف الذي على حقوه الأيمن
وتابع المناوي: وذكر بعضهم أن داخله الإزار يكنى به على الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه من خلفه من على رأسه كذا نقله المازري وقال إنه تعبدي قال عياض وبه قال الزهري وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه ومضى به العمل وذلك أن غسل وجهه إنما هو صبه واحدة بيده اليمنى وكذا سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخله الإزار إدخاله وغمسه في القدح ثم يقوم الذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع بدنه ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض».