الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تهويد القدس وعار الصمت


لا تزال المخططات الصهيونية تسعى بكل ما هو متاح ضمن إمكانياتها لفرض سياسة الأمر الواقع على المدينة المقدسة في الأرض المحتلة، وتأتي أعمال العنف الدائرة الآن بين قوات الإحتلال الإسرائيلي و السكان العزل وفي مواجهة الصمت العربي بداية لما هو مخطط صهيوني يبدأ من 2020 ضمن خطة يسعي لها الاحتلال الإسرائيلي لتهويد مدينة القدس ، حتى باتت الخشية من فرض ما تأمل حكومة الإحتلال الإسرائيلي من فرض سياسة تهويد مدينة القدس دون خشية من اي اعتبارات أخري أو الإدانات المعتادة . 

ويأتي القرار الصهيوني الذي صدر أمس ببناء ١١ ألف وحدة سكنية إستيطانية في عطروت شمال العاصمة الفلسطينية المحتلة ليكرس مفهوم المخطط الصهيوني للتهويد . ويومًا بعد يوم تزداد حدة المواجهات مع جيش الاحتلال المحمل بكل ما هو قوة وبين سكان المدينة العزل، سوى من بعض الحجارة يواجهون بها نيران الأسلحة الصهيوأمريكية، وأصبحنا ننتظر ذلك القرار الذي سيحطم الكرامة العربية إن كانت لا تزال موجودة، وهو تهويد حقيقي لمدينة القدس وعزلها عن محيطها تدريجيا ، بالإضافة لمستقبل غامض لمصير المسجد الأقصى بالنسبة لنا فقط ، غير أن المنظمات الصهيونية تعي تمامًا ما تقوم به انتظارًا لتهويد المدينة كاملة عبر ما يسمى مخطط 2050 أو ما قبل ذلك إذا اتيحت الفرصة سريعًا.
 
الاحتلال الإسرائيلي يسعي لإقامة طريق يصل لحائط البراق، وإقامة الحي اليهودي في المدينة القديمة بتوطين أكثر من عشرين ألف يهودي، يتركز معظمهم حول مدينة القدس وفي العمق ، ليبدو التعداد السكاني يهوديا في المقام الأول، بحيث لا يمكن أن تتلاشاه أية مفاوضات بشأن المدينة التي سيغلب على تعدادها السكاني الطابع اليهودي ، تحت زعم أنها عاصمة للدولة اليهودية منذ آلاف السنين، وفي هذا الإطار يتم طمس هوية ما تدعو إليه الحكومة الفلسطينية من أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.  

اليهود إذًا في حماية قرار اللوبي الصهيوأمريكي ينفذون أجندتهم بكل دقة، وهو ما استدعى صدور القرار الأمريكي بشأن القدس الموحدة بدون تقسيم عاصمة للإحتلال الإسرائيلي، ليكون بداية خطة تهويد القدس خلال الثلاثين عامًا القادمة، والمخطط لها إنشاء شبكة خدمات عالية الجودة مع تكريس الاستيطان، ونشر الفزع والرعب بين السكان الفلسطينيين العرب وطردهم، فكيف تسير خطط التهويد ؟ أو بمعنى أوضح تأتي خطة تهويد القدس بإصرار الإحتلال الإسرائيلي على طمس كل ما هو إسلامي ومسيحي ، وطمس المعالم التاريخية للمدينة المقدسة، ومحاولة إصباغ الطابع اليهودي على المدينة، وهى محاولات بدأت منذ حرب 1967 وقيام الاحتلال الإسرائيلي بفرض هيمنته واحتلال القدس الشرقية ، والبلدة القديمة قامت على الفور بأعمال حفريات في منطقة القصور الأموية جنوبي المسجد الأقصى في محاولة لإثبات أي حق لليهود هناك ، وكان من نتيجة تلك الحفريات أن تشققت أجزاء من السور الجنوبي للمسجد الأقصى بحوالي ٣٠ مترا، وقام الإحتلال الإسرائيلي بتغيير معالم المدينة المقدسة، أيضًا في الأماكن الأثرية في محيط المسجد الأقصى ، بأن قام بأعمال إنشائية في منطقة القصور الأموية المجاورة للمسجد الأقصى وتغيير معالمها .

واستكمالًا للمخطط الاستيطاني قام الإحتلال الإسرائيلي بفرض نفوذه على حدود القدس شرقًا وشمالًا بضم مستوطنة يبلغ عدد سكانها حوالي 20 ألف نسمة، واعتبرتها منطقة رئيسية في شرق المدينة، واستمرت أعمال الهيمنة على الأراضي الفلسطينية، وقامت بضم عدة قرى أخرى في الجهة الشرقية، وطوقتها بحدود عسكرية، بالإضافة إلى تخطيط شيطاني آخر بقيام الاحتلال بالقبض على شباب ورجال تلك المناطق، وترويع النساء، وإطلاق المتشددين اليهود نيرانهم الليلية على النساء العزل ، فترك بعضهن الديار تحت التهديد ، وكانت تلك الفرصة ينتهزها الإحتلال الإسرائيلي فقام بزيادة عدد المستوطنيين اليهود في نفس الوقت الذي قل فيه عدد السكان العرب الفلسطينيين، الذي كان يبلغ تعدادهم حوالي 220 ألف نسمة ، أي ثلث سكان المدينة المقدسة ، يقيمون وسط دائرة سكنية يهودية تحاصرهم مع إزدياد التوسعات الاستيطانية تحت تهديد السلاح وسط عويل النساء في الجامعة العربية ضمن بيانات التنديد والشجب التي لا تنقطع تم بشكل رسمي توسيع دائرة الهيمنة والإستيلاء على 72 كم مربع بدعاوي مختلفة ، وبفرض القيود على التمدد العمراني في القدس ، خاصة للفلسطينيين مع السماح ببناء مستوطنات يهودية جديدة، كما حدث مع منطقة جبل أبو غنيم وعزم الإحتلال الإسرائيلي على تقنين تهويد مدينة القدس من خلال إصدار قوانين التنظيم والتخطيط العمراني في مجالات الترخيص والبناء، و كان نتيجته تحويل أكثر من 45 % من مساحة القدس لمناطق زراعية، بحيث تكون ذريعة لعدم البناء عليها ، وفي الحقيقة كانت تستخدم كإحتياطي لبناء المستوطنات ، ونتيجة تلك القيود أن هجرت بعض الأسر الفلسطينية مجبرة إلى الأحياء المحيطة بالمدينة ، نظرًا لقيام الاحتلال بتسهيل إجراءات البناء وتقليل التكاليف ، وكانت تلك هي عملية استدراج للسكان العرب الفلسطينيين للخروج من المدينة للمساهمة في تهويدها وسط حالة النحيب في الجامعة العربية، وإصدار بيانات الشجب والتنديد. 

وجاء عام 1993 ليكون بداية حقيقية لتهويد مدينة القدس عن طريق رسم حدود جديدة لمدينة القدس الكبرى، وضم أراض تبلغ مساحتها حوالي 600 كم ، أي حوالي 10 % من مساحة الضفة الغربية كلها، وبدأ الاحتلال في إقامة مستوطنات خارج حدود المدينة هدفها الأساسي هو التواصل بين جميع المستوطنات، لفرض الهيمنة والسيطرة الكاملة على مدينة القدس من الداخل والخارج ، وعلي الجانب الآخر كان النحيب يزداد حرقة في بيانات الشجب في اجتماعات الجامعة العربية ، التي زاد نحيبها عندما أصدر الإحتلال الإسرائيلي قانون منع الأذان عبر مكبرات الصوت في المساجد، ليمنع ما يقرب من 500 مسجد في مدينة القدس من رفع الأذان بعد أن إقتحمت قوات الإحتلال الإسرائيلي المساجد والقت القبض على المؤذنين والمصلين المعترضين ، بدعوي أن القرار صادر من لجنة وزارية إسرائيلية .

لكن الحقيقة في اعتقادي أنه لم تكن تجرؤ قوات الإحتلال على فرض نفوذها بدون مساندة اللوبي الصهيوني في أمريكا ، والدعم الأمريكي الكامل للاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططه، وفرض سياسة الأمر الواقع على مدينة القدس، واعتبارها عاصمة موحدة للإحتلال الإسرائيلي، وبدون تقسيم حسبما خططت منظمة إيباك الصهيونية عن طريق غرس عناصرها في لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية في الكونجرس، وتقديم مشروع قرار يطالب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا تقبل التقسيم، وهو ما تم بالفعل حينما أصدر الرئيس الأمريكي رونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة بدون تقسيم للإحتلال الإسرائيلي ، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وتم ذلك وسط إزدياد حالات النحيب داخل أروقة الجامعة العربية، ولكن الفارق هنا كان في بيانات الشجب التي زادت عن معدلاتها.

وتأتي الغفلة التي تعيش فيها حكومات الجامعة العربية لتضع يدها في يد الصراعات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، خاصة حركة فتح ومنظمة حماس لتعلن فتح منذ ساعات أن حماس تعمل لصالح العدو الإسرائيلي، وينسى الجميع أنهم لكثرة خلافاتهم وصمتهم وبيانات شجبهم الورقية فقط يكونون أرضًا خصبة تسير عليها بدقة الخطط الصهيوأمريكية نحو خارطة تهويد كامل للمدينة المقدسة، والذي إن تم لا قدر الله حينها فقط :
لابد أن نخلع عنا عباءة الرجال.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط