عذاب القبر في القرآن وعند المذاهب الأربعة

عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا عن طريق الوحي، والإيمان بالغيب هي أول صفة للمتقين جاءت في القرآن الكريم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2-3].
وثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من السنة النبوية الشريفة التي أُمِرنا بالأخذ بها وتصديقها؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
عذاب القبر في القرآن
وأخبرنا سبحانه أن كل ما يصدر عنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو وحيٌ يجب الإيمان به؛ فقال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم: [3-4]، وورد في القرآن الكريم ما يدل على عذاب القبر في قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 46]، فعرضهم على النار غدوًّا وعشيًّا هو ما يلقونه في البرزخ من عذاب القبر قبل يوم الساعة، وبعدها يُدخَلُون أشد العذاب.
وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: 93]؛ لأن قبض الملائكة لأرواحهم عند الوفاة يليها عذاب مباشر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ﴾، وهذا يكون قبل القيامة، أي: في القبر.
وليس في الإيمان بالغيب ما يحيله العقل، ولكن فيه ما يحار فيه العقل، غير أنه يجب التنبيه على أن الإكثار من ذكر عذاب القبر والتركيز عليه دون غيره منهجٌ غير سديد، بل على المسلم أن يستنير بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا» متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» رواه البخاري في "صحيحه"، وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً" رواه مسلم في "صحيحه".
سورة الملك تقي من عذاب القبر
سورة الملك من السور التي لها فضل عظيم على قارئها فهي تجادل عن صاحبها، كما تمنع عنه عذاب القبر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنَّ سورةً من القرآنِ ثلاثون آيةً، شَفَعَتْ لرجلٍ حتى غُفِرَ له، وهي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [حسن]، لذا يفضل قراءتها كل يوم قبل النوم كما كان يفعل رسول الله عليه السلام.
الر على على منكري عذاب القبر
قال الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، إن عذاب القبر ورد في القرآن والسنة، مضيفا: "هناك ناس تخوف من عذاب القبر بتفاصيله"، ولا توجد أحاديث أوردت تفاصيل دقيقة عنه.
وأضاف مستشار المفتي خلال لقائه على فضائية "الناس" أن هناك نعيما داخل القبر، كما يوجد العذاب، لكن التفاصيل جاءت في السنة قليلة، قال- تعالى-: "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".
وتنابع: "نتحدث أولا عن نعيم القبر قبل عذابه، أحسنوا الظن بالله".
الثعبان الأقرع في عذاب القبر
وقال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن هناك ما يسمى بعذاب القبر قال تعالى "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا"، مؤكدا أن عذاب القبر ثابت في اعتقاد أهل السنة والجماعة.
وأضاف أمين الفتوى خلال لقائه في برنامج "فتاوى الناس" على فضائية "الناس" أن الثعبان الأقرع وغيره، ثبتت بأحاديث ضعيفة، موضحا": نصدق عذاب القبر ونعيمه الذي يقع على الروح في القبر، لكن حديث الثعبان الأقرع ضعيف.
عذاب القبر عند المذاهب الاربعة
وردت كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التى تحدثنا عن يوم الجمعة وعظيم فضله فى الإسلام ولم يتوقف فضل يوم الجمعة على الأحياء فقط وإنما تعدى فضله إلى أن من مات يوم الجمعة أو ليلتها حفظه الله من فتنة القبر،وذلك لما ورد عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ، قالَ: قالَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمعَةِ إلا وَقَاهُ الله فِتْنَةَ الْقَبْرِ»، رواه الترمذى.
قال الإمام صفى الرحمن المباركفوري فى شرحه لجامع الترمذي، أن قوله –صلى الله عليه وسلم- :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمعَةِ»، الظاهر فيه أن "أو" للتنويع لا للشك، وقوله « إلا وَقَاهُ الله فِتْنَةَ الْقَبْرِ» أي حفظه الله تعالى من عذابه وسؤاله وهو يحتمل الإطلاق، والتقييد، والأول هو الأولى بالنسبة إلى فضل المولى.، مضيفا أن هذا يدل على أن شرف الزمان له تأثير عظيم كما أن فضل المكان له أثر جسيم.
وأضاف المباركفوري فى شرح الحديث، أن الإمام القرطبي قال: «إن هذه الأحاديث أي التي تدل على نفي سؤال القبر لا تعارض مع أحاديث السؤال السابقة، أي لا تعارضها بل تخصها، وتبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه، فمن يجري عليه السؤال ويقاسي تلك الأهوال،وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس، ولا مجال للنظر فيه، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المصدوق.
وتابع: «وقال الحكيم الترمذي: ومن مات يوم الجمعة فقد انكشف له الغطاء عما له عند الله لأن يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم وتغلق أبوابها، ولا يعمل سلطان النار فيه ما يعمل في سائر الأيام، فإذا قبض الله عبدًا من عبيده فوافق قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلًا لسعادته وحسن مآبه، وإنه لا يقبض في هذا اليوم إلا من كتب له السعادة عنده، فلذلك يقيه فتنة القبر، لأن سببها إنما هو تمييز المنافق من المؤمن، قلت: ومن تتمة ذلك أن من مات يوم الجمعة له أجر شهيد، فكان على قاعدة الشهداء في عدم السؤال».
وذلك كما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن جابر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء".
وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس ابن بكير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات يوم الجمعة كتب له أجر شهيد، ووقي فتنة القبر"، وأخرج من طريق ابن جريح عن عطاء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم أو مسلمة يموت في يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقى عذاب القبر، وفتنة القبر ولقي الله ولا حساب عليه، وجاء يوم القيامة ومعه شهود يشهدون له أو طابع"، وهذا الحديث لطيف صرح فيه بنفي الفتنة والعذاب معًا كما قاله الإمام السيوطي.