قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قصة السيدة مريم العذراء


السيّدة مريم بنت عمران هى السيدة الطاهرة العذراء المعصومة الزكية الطيبة الطاهرة التقية، سيدة نساء عالمها، مريم بنت عمران، من نسل إبراهىم خليل الرحمن.
رُوي أنّ حنّة زوجة عمران كانت عاقرا لم تلد، إلى أن عجزت، فبينما هى في ظلّ شجرة أبصرت بطائر يطعم فرخا له، فتحرّكت عاطفتها للولد وتمنّته فقالت: يا ربّ إنّ لك عليّ نذرا، شكرا لك، إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من سَدَنته وخدمه. وقد استجاب لها الله سبحانه، فحملت، وأثناء حملها توفى زوجها عمران.
كانت حياة السيدة مريم عبارة عن سلسلة من الامتحانات والبلاءات والمعاجز والصبر على ما كتب الله تعالى، وأولى تلك الامتحانات أن أمها، التي كانت ترجو أن ترزق غلاما لتهبه لخدمة بيت المقدس، رزقت بنتا، والبنت لا تقوم بالخدمة في المسجد كما يقوم الرجل، وأسفت حنّة واعتذرت لله عزّ وجل فقالت: {ربّ إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} .
وقد ولدت مريم يتيمة، فآواها الله عند زوج خالتها نبي الله زكريا، وكان هذا من رحمة الله بمريم ورعايته لها، قال تعالى: {وكفّلها زكريا} [آل عمران:37] وشبّت مريم، وبيتها المسجد، وخلوتها فيه، وبلطف الله بها كان الطعام يأتيها من الغيب، وكلما زارها النبي زكريا، وجد عندها رزقا، فكان يسأل عن مصدر هذا الرزق لأنه هو كافلها، ويأتي الجواب: {هو من عند الله يرزق الله من يشاء بغير حساب} وطوال تلك المدة كانت مريم، وهى المنذورة المقيمة في المحراب، فتاة عابدة قانتة في خلوة المسجد تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة والصوم.
كان الامتحان الأكبر لمريم، العابدة الزاهدة المطهرة، أن بشّرها الله سبحانه وتعالى بولد منها، وهى من غير زوج، فقالت: {أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر}، ولكن الأمر الإلهى أتى، ولا مردّ له، {كذلك قال ربّك هو عليّ هين ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضيا} إن الله سبحانه وتعالى أخرج هذه الآية العظيمة للناس حتى يمتاز المؤمنون عن الكافرين، فشاءت حكمته أن تبتلى امرأة عابدة صالحة بحمل من غير زوج، يصدّقها الصادقون المؤمنون، ويكذّبها الكافرون المجرمون، ويكون ابنها الذي قضاه الله وقدّره على هذه الصورة معجزة وآية في خَلقه وخُلقه، رحمةً للناس في زمانه، وبعد زمانه، وليمهّد الطريق لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
بعد أن حملت مريم، وبدأ بطنها يكبر، خرجت من محرابها في بيت المقدس إلى مكان تتوارى فيه عن أعين الناس حتى لا تلفت الأنظار، ولا تثير في وجهها الاتهامات، وقد ألجأها المخاض إلى جذع النخلة، وهى وحيدة طريدة، فتضع حملها ولا أحد إلى جانبها يعتني بها ويواسيها، وقد اجتمعت كل هذه الهموم والمصاعب على السيدة مريم، وهى من هى في عالم الإيمان والتقوى، حتى وصل الأمر بها إلى أن تتمنّى الموت.
وحاشا لله، سبحانه وتعالى، أن يترك إنسانا آمن به ولجأ إليه، خاصة إذا كان كمريم المصطفاة التي أتاها النداء الإلهى ليعطيها الأمن والأمان، فناداها مولودها من تحتها: {ألا تحزني قد جعل ربّك تحتك سريا وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا}، وهنا تأتيها المعجزات بالجملة، فهذا جدول ماء رقراق يفجّره الله لها، وها هى، وهى ضعيفة من آثار الولادة، تستطيع أن تهزّ جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب جنيا.
ولمّا أتت قومها، واستغربوا حملها وإنجابها، أشارت إلى طفلها الوليد، فاستنكروا ذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أنطقه قائلاً: {إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}.
عاشت مريم عليها السلام مع ولدها عيسى "عليه السلام" دهرا طويلا في الجبل يعبدان إلاههما الجبار يقومان الليل ويصومان النهار ويأكلان من ورق الاشجار ونبات الأرض ويشربان من ماء الأمطار، ثم إن عيسى ذات يوم نزل من الجبل يلتقط من نبات الأرض ما يفطر به هو وأمه إذ هبط ملك على مريم وهى معتكفة في محرابها وقال: "السلام عليك يا مريم الصائمة القائمة"، فخرت مغشيا عليها من شدة هول ملك الموت، فلما أفاقت من غشوتها قالت له: "من أنت يرحمك الله؟ فلقد اقشعر جسمي وارتعدت فرائصي وذهب عقلي وتلجلج لساني وتغيرت من مخافتك ألواني وخريت من خوفك مغشية على وجهى؟" قال لها: "يا مريم أنا ملك الموت الذي لا أرحم الصغير لصغره ولا الكبير لكبره ولا الشاب لشبابه، أنا هادم اللذات، أنا مفرق الجماعات، أنا منغص الشهوات، أنا قاطع الأمنيات، أنا مرسول لقبض الأرواح، أنا مخرب القصور، أنا عامر القبور، أنا الذي لا أستأذن على أحد بدخولي عليه من الملوك والجبابرة، أنا ملك الموت".
فقالت مريم: "جئت زائرا أم جئت قابضا؟"، قال: "بل قابضا فاستعدي يا مريم"، فقالت: "يا ملك الموت لا تعجل عليَّ حتى يجيء قرة عيني وثمرة فؤادي وريحانة قلبي وفلذة كبدي عيسى"، فقال لها ملك الموت: "ما أمرني الله تعالى بذلك وأنا عبد مأمور من الله تعالى الحي الذي لا يموت، وقد أمرني أن لا أرفع قدما حتى أقبض روحك في موضعك هذا، فقالت: يا ملك الموت قد سلمت أمري لله تعالى ورضيت بقضائه".
فدنا ملك الموت عليه السلام منها وقبض روحها إلى رحمة الله تعالى فأمسى عيسى تلك الليلة لم يصعد إلى الجبل حتى دنا وقت العشاء، فلما صعد الجبل نظر إلى أمه فإذا هى ممددة فظن أنها نائمة وقد أدت الفريضة لربها ونامت لتستريح، ولم يعلم عيسى بما نزل عليها من أمر الله تعالى، فوضع ما كان عنده من حشيش الأرض ولم يفطر بشيء، كل هذا لأجل أمه يريد أن يفطر معها.
وقام عيسى عليه السلام في محرابه وجعل يصلي حتى مضى من الليل ثلاث ساعات، فجاء ووقف عند رأسها وناداها بصوت خفيف وقلب يدها وقال: "السلام عليك يا أماه قد انتصف الليل وأفطر الصائمون وقام العابدون إلى عبادة الجبار"، فلم تكلمه، فقال في نفسه "لكل نومة لذة وهى الآن في لذة نومها فما أنا بالذي منغص عليها لذتها".
فعاد إلى محرابه فصلى ثلث الليل الثاني وجاء ووقف عند رأسها وبكى وقال: "السلام عليك يا أماه قد انصرم الليل وأفطر الصائمون وقام العابدون إلى عبادة الرحمن" فلم تكلمه فظن أنها متعبة من العبادة وقد نامت لتستريح، ثم عاد إلى المحراب ولم يفطر تلك الليلة بشيء حتى كان عند الفجر جاء إليها ووقف عند رأسها وناداها فلم تجبه فأنكر شأنها فوضع فمه على فمها وخده على خدها وهو يقول: "يا أماه حملتيني في بطنك وأرضعتيني من ثديك وسهرت علي ليلك وتعبت عليّ نهارك، يا أماه مضى الليل وجاء النهار وقد جاءت فريضة رب العالمين التي لابد منها، فبكت عند ذلك ملائكة السماوات رحمة لهما، وأوحى الله تعالى إلى الملائكة "يا ملائكتي ما يبكيكم؟"، فقالت الملائكة: "إلاهنا وسيدنا نبكي رحمة على عيسى وأمه عبديك وكلمتك وروحك، فإذا مناد ينادي في السماء يا عيسى ارفع فمك وخدك عن أمك الصائمة القائمة فإنها عرج بروحها إلى ربها".
فلما سمع ذلك الكلام خرّ مغشيا عليه، فلما أفاق من غشوته نادى بأعلا صوته "واحسرتاه وانقطاع ظهراه، واغربتاه، واوحشتاه يا أماه من يؤنسني في وحشتي، ومن يعينني على عبادة ربي"، فأوحى الله تعالى إلى الجبل أن يكلم عيسى فكلمه وقال: "يا روح الله ما هذا الجزع أتريد أحسن مني مؤنسا؟ فقال: أعوذ بعزة ربي ورأفته، ثم إن عيسى "عليه السلام" صبر على قضاء الله وقدره وشكره على نعمته وحكمته.