خصوصا بعدما ردت الخارجية التركية، واعتبرت تصريحات الرئيس اللبناني "إساءة سافرة للدولة العثمانية"، مؤكدة أن التصريحات "مؤسفة للغاية وغير مسؤولة". على حد تعصبها..
هذه المشكلة التي تكاد تتطور خلال الساعات القادمة، دفعتنى للوقوف قليلا أمام بعضا من ميراث الدولة العثمانية، التي حكمت العالم الاسلامي طيلة 6 قرون، وبالتحديد من 27 يوليو 1299م حتى 29 أكتوبر 1923م.
وقد نشأت الدولة العُثمانيَّة، بدايةً – وفق ما تؤكده كافة المصادر التاريخية- كإمارة حُدود تُركمانيَّة تعمل في خدمة سلطنة سلاجقة الروم، وترد الغارات البيزنطيَّة عن ديار الإسلام، لكن بعد سُقُوط السلطنة سالفة الذِكر استقلَّت الإمارات التُركمانيَّة التابعة لها، بما فيها الإمارة العُثمانيَّة، التي قُدِّر لها أن تبتلع سائر الإمارات بِمُرور الوقت.
يعدها عبر العُثمانيُّون – نسبة إلى مؤسسها عثمان الأول بن أرطغرل- إلى أوروبا الشرقيَّة لأوَّل مرَّة بعد سنة 1354م، وخلال السنوات اللاحقة تمكَّنوا من فتح أغلب البلاد البلقانيَّة، فتحوَّلت إمارتهم الصغيرة إلى دولة كبيرة، وكانت أوَّل دولةٍ إسلاميَّة تتخذ لها موطئ قدم في البلقان، ثم بعدها افتتحوا القسطنطينية سنة 1453م، وأسقطوا الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة بعد أن عاشت أحد عشر قرنًا وزيادة، وذلك تحت قيادة السُلطان محمد الفاتح.
ووفق ما سطره التاريخ، فقد بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا. ووصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية، وكان للدولة سيادة اسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءًا فعليًا من الدولة مع مرور الزمن، بينما حصل بعضها الآخر على نوع من الاستقلال الذاتي. وعندما ضمَّ العُثمانيُّون الشَّام ومصر والحجاز سنة 1517م، وأسقطوا الدولة المملوكية بعد أن شاخت وتراجعت قوتها، تنازل آخر الخلفاء العباسيين المُقيم في القاهرة مُحمَّد المتوكل على الله عن الخلافة لِلسُلطان سليم الأول، ومُنذ ذلك الحين أصبح سلاطين آل عُثمان خُلفاء المُسلمين.
وبالطبع لأن هذه المقالة لن تستطيع أن تقف أمام 6 قرون كاملة حكمت فيها الدولة العثمانية، فإن هناك محطات هامة في تاريخ هذه الامبراطورية:-
في مقدمتها أن الخلفاء العثمانيون، الذين حكموا لم يكن همهم طيلة فترة حكمهم الطويلة، النهوض بالدول التي أسبغوا حمايتهم عليها واحتلوها واصبحت تابعة لهم، بل إن تاريخ الدولة العثمانية يمكن اختصاره في كلمة "نهب".
فقد كان الولاة العثمانيون، على الدول العربية والاسلامية مشغولون طيلة الوقت بإرضاء الباب العالي وإرسال الهدايا وتوطيد حكمه في مملكته، أما الشعوب العربية والاسلامية فكانت في آخر اهتمامات "العثملية" والكلمة صحيحة، كما يطلق عليها إخواننا في الشام نسبة الى عثمان.
وخلال 6 قرون، كانت أوروبا تنهض منذ منتصف القرن الخامس عشر وتثور ضد حكم "الباباوات" والكهنوت، بينما يوطد العثمانيون أركان دولتهم بمزيد من التخلف والانحطاط، ولا يمكن القول أن أيا من الدول التي كانت رازحة تحت الحكم العثماني عرفت التعليم الحديث او اقتربت منه ، كانت السخرة ونظام العبيد هو المتبع في كافة أركان الخلافة العثمانية. وبالطبع ليس غريبا أن يطلق كافة المؤرخين على الدولة العثمانية، أنها كانت فترة انحلال وتدهور عربي واسلامي ليس له نظير ، وتوصف هذه القرون بقرون الظلام عند المسلمين.
كان ما يميز العهد العثماني، هو حكمه الدول العربية والاسلامية بمجموعة من التابعين الاذلاء له ، وعندما كان يظهر حاكم قوي كان يتم التصدي له بالقوة والعمل على هزيمته وإفشال مشروعه، ولعل إفشال مشروع محمد علي في مصر أبرز مثال على ما كان يتم من جانب السلطان العثماني تجاه ولاته الأقوياء.
وبالطبع وغير خاف على أحد أنه في عصور الظلام العثمانية، كانت لفظة الحريم لفظة متداولة ، تدل على تسلط نساء وقصص غاية في الغرابة كانت تحاك في القصور العثمانية، ولو كانت الجدران تحكي ما كان يحدث بهذه القصور من فجور وانحلال لحكت فظائع وأهوال وروايات..
فالعثمانيون حكموا بالمؤامرة، وتسيدوا بالتخلف وكانت المرأة لعبتهم والذهب هو هدفهم الأخير من وراء كافة الولايات والدول التي وضعوا أيديهم عليها.
قصة أخرى واضحة الدلالة على ما كان يدور في القصور العثمانية، وما كانوا ينظرون به تجاه الرجل والمرأة، وهى قصة الخصاء التي كانوا يقومون بها وتدل على ما بداخلهم من عقد ومشاكل وتخوفهم على نسائهم من "غزوات خارجية"، وهذه القصة انقلها بحذافيرها مما ورد عنها في مةسوعة "ويكبيديا" وهى متاحة للملايين، وقراءتها لها دلالة عميقة وبالنص:" أخذت الدولة العثمانية بنظام الخصاء في قصور السلاطين، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحرّم مبدأ الخصاء، وكان أخذ الدولة بهذا النظام غير الشرعي من الحالات التي خرجت فيها على الشريعة الإسلامية. بينما يقول مؤرخون آخرون أن العثمانيين كانوا يشترون العبيد الخصيان من خارج حدود الدولة حيث تكون عملية الإخصاء قد أجريت للعبد في صغره ليتم بيعه في سوق النخاسة إلى الملوك والأمراء حيث كان اخصاء العبيد وبيعهم للخدمة في قصور ملوك الدول المختلفة تجارة رائجة في العصور القديمة والوسطى وشطر من العصور الحديثة قبل منع الرق دوليًا.
كانت هناك طائفتان من الخصيان: الخصيان السود وهم المخصيون خصاءً كاملًا، والخصيان البيض وهم المخصيون خصاءً جزئيًا، وكان يُطلق على رئيسهم "قبو آغاسي"، في حين كان يُطلق على رئيس الخصيان السود، الذي هو في الوقت نفسه الرئيس الأعلى في القصور السلطانية، "قيزلر آغاسي"، أي "آغا البنات" و"آغا دار السعادة"، ووضعت الدولة أنظمة خاصة تُطبق على خدمتهم في القصور السلطانية. وقام تنافس شديد بين هذين النوعين كان مرده رغبة كل فريق الاستئثار بالنفوذ الأعلى في دوائر القصور السلطانية وفي شؤون الدولة، وقد ارتفع مقام رئيس الخصيان السود نتيجة اتصاله المباشر بالسلطان ووصل إلى المركز الثالث من حيث الأهمية بعد الصدر الأعظم وشيخ الإسلام، وأضحى الوزراء يتملقونه والمستوزرون يتقربون منه. وينحدر اليوم جميع الأتراك من أصل أفريقي من هؤلاء الأشخاص الذين عملوا كرؤساء للخصيان في قصر السلطان!".. انتهى الاقتباس.
والختام.. دولة حكمت بالعبودية والتخلف.. كيف يكون الحكم عليها، إن ما قاله الرئيس اللبناني ميشال عون فيه جزء كبير من الصواب
ولحكاية العثمانيين وقفة أخرى..