قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

إسراء النجمي تكتب: أصالة تتمرد على لونها

×

أحب الورد الجوري صاحب اللون الأحمر الداكن، أكثر من أي نوع ورود أخرى تُمثل لي رائحته عبق تاريخ الورود، ذلك الورد الثمين المُتوّج برائحته الرخيمة الملوكية وكأنه هو أصالة الورود والفائز دائمًا في حربها العطرة المفعمة بـ احاسيسها المختلفة والمتلونة، ومثلما للغابة ملك هناك أيضًا للورد ملك ولا يليق تاج الملوك دائمًا سوى بـ من يتمتع بـ الأصالة والرخامة والثقل وأيضًا الرزانة فيما يتوج من أجله، ولكن الرزانة والثقل على الدوام قد ينتج عنه تعود وبالتالي ملل أوقات أخرى.. ووارد أوقات كثيرة نكسر تعودنا عليه بـ الإستعانة بغيره في الاستنشاق خلسة لعطور ورد التوليب تارة، ونطلق صراح أرواحنا لترفرف مع النسائم الفجرية المُحملة برائحة الفل والياسمين تارات، ولا بأس من هُدنة منعشة مشبعة بـ تمرد زهور البنفسج.

الورد الجوري لمن لا يعلم، يطلق عليه أيضًا الورد الدمشقي، وهو الورد الوطني في سوريا العتيقة، ولكن ذكر التاريخ أن أصوله فرعونية نبتت زرعته بـ مصر حيث أنه وجدت بقاياه في مقابر مصرية أثرية.

عفوًا طالت مقدمتي ولكن كان يجب أن أصف شعوري بـ قيمة صوت وفن هذه الوردة الدمشقية التي أزهرت في مصرنا الحبيبة.

كسرت أصالة في ألبومها الأخير الذي صدر مؤخرًا تحت عنوان "في قربك"، حالة التعود على رائحة الجوري في أعمالها، وبدل من أن يكسر جمهورها تلك الحالة بالاستعانة بروائح ورود أخرى هي من فعلت ذلك، بل أنها تمردت، وبتعويذة سحرية سكنت روحها نوع من الطيور الساحر تغريدها والتي يقابل نفس مكانتها في الورود، بل ولم تكتف هنا فحسب ولكنها أيضًا أطاحت بالسرب عرض الحائط لـ تُغرد مع جيل جديد.

أصالة تتمرد على لونها بـ ثلاث أغاني بنفسجية:

لم تختار ألوان مختلفة عنها فحسب لتواكب العصر ولكن حرصت على اختيار مواضيع تمس أرواح مستمعيها بـ مواقف معبرة يتعرض لها الكثيرون في حياتهم، وتقديمها بشكل خفيف بمساعدة الألحان والتوزيع، وأول أغنية في هذه الباقة البنفسجية كانت "نكتة بايخة" هذه الأغنية التي أثارت جدل كبير عند صدورها بسبب أن هناك أغنيتان يحملان نفس العنوان، ولكن لكي نحسم الأمر في ذلك، علينا ذكر أن إيفيه "نكتة بايخة" متداول في كلام الشعب المصري منذ أن عُرف، أغنية مجد القاسم التي تحمل نفس الاسم موضوعها مختلف تمامًا، أغنية "بوي باند" أيضًا تناولها مختلف حتى وإن اجتمعت مع أغنية أصالة في جملة ثانية وهي"مرة واحد حب واحدة"، وجدير بالذكر أيضًا أن كاتب أغنية أصالة كتب هذه الأغنية منذ عام 2016 وكانت من المفترض أن تنضم لـ ألبومها السابق، وكان ذلك قبل صدور الأغنيتان اللتان تحملان نفس الأسم، ولكن كان يُفضل اختيار عنوان لها غير "نكتة بايخة" تجنبًا للجدل.

تميز الشاعر عبد الحميد الحباك بـ اختياره لذلك الموضوع وتناوله بشكل غنائي متفرد وجديد، وجاء ايهاب عبد الواحد بـ ألحانه لـ يُكمل تلك الحالة اللامبالية وسخرية تلك الفتاة من حبيبها السابق الذي تخلى عنها، وكان وصف الموقف عندما قابلته صدفة في مكان ما بعد التخلي، أُعجبت كثيرًا بـ هذه الحالة المختلفة واتساق مكوناتها وتكاملهم في قالب واحد، والتي تظل عالقة في الأذن لـ وقت طويل من كلمات ولحن وتوزيع أكثر من رائع بتوقيع فهد الذي أرى انه أبدع وخاصةً في الفواصل الموسيقية.

ثاني أغنية في باقة البنفسج المتمرد كانت بـ عنوان "حاجة ماتخصكش"، والتي عندما استمعت إليها في البداية ذكرتني بـ "اسكتشات" تلك الفِرَق الغنائية في أفلام "أبيض وأسود" والعروض المسرحية في زمن الفن الجميل، أعجبت بـ حالة التمرد التي وصفها الشاعر ناصر الجيل بشكل مختلف، وأرى أن آدم حسين وُفق في لحنها بل أرى أنه أبدع في اختلاف ألحانها، وأشعر أنها أخذت منه وقت ومجهود فكري في تلحينها، ولكنه لم يوفق بنفس القدر في توزيعها، وفي جملة "ماتجيش بقا تمثل عليا دور البرئ" لأخر الجملة كنت أُفضل أن اسمعها صافية بـ صوت أصالة لم يشبعني ذلك الطابع الكورالي في غناء تلك الجملة، أرى لحن الجملة طربي في حاجة لـ أن يبلوره صوت اصالة في هذه الجملة بالخصوص.

ثالث أغنية في هذه الباقة بعنوان"حالة كركبة" لـ الشاعر إسلام مصطفى، وعلى الرغم من كركبة الحالة التي وصفها، إلا أنه قدّمها بكل سلاسة لـ درجة أنك اذا كنت تمر بنفس الحالة بمجرد أن تستمع لـ تلك الأغنية تعود حالتك أدراجها في انتظام، لحن أميرة عامر أعطى لـ الكلمات طابع خاص، لـ يأتي الأخوين إلهامي وأدهم دهيمة بـ ختم ذلك الطابع الخاص المُحلى بـ موسيقى تتميز بـ شياكتها وخاصة في فواصلها الموسيقية، فهي من أكثر موسيقى الألبوم التي علقت في أذني لـ تُصاحب موسيقى "نكتة بايخ".

بهجة نسائم الفل والياسمين الفجرية ودلال أصالة في هاتان الأغنيتان:

في الباقة البنفسجية السابقة قدمت أصالة ثلاث ألوان مختلفة عن لونها ولكني أراهم لغير أصالة أكثر، أرى سميرة سعيد في "نكتة بايخة و حالة كركبة"، وأرى شيرين في "حاجة ماتخصكش"، ولا أنكر أيضًا أن اصالة أعطت لهم طابع خاص.

ولكن هناك فرق في أن تغني لون مختلف قد يتميز غيرك فيه قليلًا عنك، وأنك تغني لون آخر مختلف عنك ولكن عندما نستمع إليه تأبى آذاننا أن تسمعه بـ صوت أخر غيرك مثلما شعرت في "جدًا جدًا" و "يوم يومين".

ومثل فرحتك بشراء ملابس العيد الجديدة واللائقة كثيرًا عليك.. جديدة ولكنها أجمل ما يكون عليك من غيرك، هكذا تُشبه فرحة أصالة المُتجلية في فيديو كليب لـ أغنيتان اولهم "جدًا جدًا" لـ الشاعر مصطفى حسن ورسمه لـ تلك الحالة الرومانسية المُبهجة، والذي أكملها الملحن أحمد مصطفى وربما ذكرتني بهجة ألحانه بـ ألحان "بشوقك" لـ تامر حسني وخاصة في تلك الجملة اللحنية لـ "ياحبيبي من دلعك فيا بقيت بصراحة بخاف أتغر"، وجاء الموزع الموسيقي شريف قاسم لـ يُناسق توزيعه كثيرًا مع اللحن والكلمات.

كتب مصطفى حسن "وبخاف كدة وأنت معايا الناس تحسدنا بعد الشر"، والظاهر أن صَدَق خوفه وتحقق، وتخاصم الحبيبين لـ تُقدم حبيبته على مُصالحته بـ دلال في ثاني أغنية في هذه الباقة تحت عنوان "يوم يومين" لـ الشاعر أمير طعيمة وبنفس شقاوتها وخفة ظلها في "جدًا جدًا" تحاول مصالحته في "يوم يومين"، هذه الحالة خفيفة الروح يضفو عليها الدلال و"الشقاوة"، والتي صورها طعيمة بالكلمات كما يجب، لـ يأتي أحمد زعيم بطابع وجو ألحان أغاني محمد حماقي والتي رأيت أنها تليق بـ أصالة كثيرًا، ثم رشها توما بـ بهجة الأفراح الشيك في توزيعه الموسيقي لها.

من وجهة نظري أن هاتان الأغنيتان هما فاكهة الألبوم، رُمانة وانقسمت لـ نصفين، و كـ رُمانة الميزان أيضًا التي وازنت وربطت بين باقة البنفسج المُتمرد، "ذلك اللون الجديد على وردة الجوري الدمشقية" وبين باقتها الحقيقة التي تتميز بالأصالة والثِقل والرخامة، وذلك يتجلى بشكل واضح في الباقة الثالثة من الورد الجوري في الفقرة التالية.

عودة الجوري لـ عرشها مُرتدية تاجها في جولة من الإبداع:

تمردت في باقة البنفسج ولكن هناك من يفوق تمردها، وأبهجتنا بـ نسائم الفجر المُحملة بروائح الفل والياسمين وأحببت كثيرًا اختلاف بهجتها المُدللة العاشقة، ولكن حان وقت التربع على عرشها لـ تُطربنا وتُبكينا وتسقينا من نبع أصالتها التي لا تصفها كلمات وكأن أبدعها الله عز وجل لـ الشعور بها فقط لطالما عجزنا عن وصفها.

من أكثر المرّات التي لمستُ احساس أصالة في غنائها بل الأصح هي من لمست شئ بداخلي باحساسها في أغنية "جابوا سيرته" التي تفوّق فيها احساسها على جماليات صوتها الموجودة بالفعل في الأغنية.

وإحقاقًا لـ الحق بعيدًا عن صوت وابداع أصالة واحساسها في هذه الأغنية، أرى أن كلمات المُبدع الشاب عبد الرحمن محمد التي كُتبت بـ احساس مُخيف من شدة الصدق، هي من أثارت وروضت احساس اصالة بهذا الشكل المُبكي والتي تشعر من خلالها وكأنك أنت من تتغنى عنه أصالة، حتى وإن كنت لا تعيش أو لا تمُر بـ تلك الحالة، فـ عادةً يشعر المستمع أكثر بـ الأغنية إذا مر بنفس الحالة التي تتحدث عنها الأغنية، ولكن الجديد هنا أنك تشعر وتتألم وأنت لا تعيش الحالة ولم تمر بها من قبل بل وتتحدث لـ الأرض مطالبًا بـ رجاء قائلًا: "أخاف لـ ضعفي يبان في عيني.. يا أرض انشقي وأبلعيني" مثلما طالبها عبد الرحمن محمد في كلماته، وتشعر بـ غصّة في قلبك عندما تسمع "صوت بيقول سبوها لوحدها".. عند محاولاتك لـ الهرب من ذلك الموقف الدابح الذي صوره الشاعر كما أملى عليه إبداعه.

جاء مديَن بـ اللحن لـ يُكمل تلك الحالة المشتعلة وذكرتني الجملة اللحنية لـ "سمعت عنه حاجات ياريت ما سمعتها.. بيقولوا قابل واحدة بعدي وحبها.. حاولت أتوه في الكلام على قد ما أقدر"بـ جملة لحنية في أغنية "حبيت دلوقت" لـ كارول سماحة عندما وهي "ومكنتش أعرف قلبي هيحبك كدة.. وكنت فين أنت وكل الحب ده.. وليه سايبني لوحدي طول العمرده"، لا أعلم ما الذي ذكرني بها ربما هناك تشابه.

أما عن توزيع تلك الأغنية فـ ذكرني الإنترو الموسيقي لـ الأغنية بـ لحن "لسة أنت كنت في بالي حالًا من مفيش.. من بعدي عايش ولا مش قادر تعيش.. ده أنا من كتير سيبتك وحاسس انك أنت ماسيبتنيش".

استطاع الموزع أحمد إبراهيم أن يقدم الحالة برسم مسموع بموسيقاه والتي جسدتها أصالة باحساس صوتها، أعجبت كثيرًا بتوزيع تلك الأغنية وتلك الجُمل عندما توقفت فيها الموسيقى في إدراك موزون ومُوفق من إبراهيم أن احساس أصالة بالكلمات فيها لا يحتمل موسيقى أو أي اضافات.

ثاني إبداع في هذه الباقة في أغنية "مابقاش سر" لـ أمير طعيمة والذي تخطى حدود الإبداع عندما كتب "قلبي تاعبني بحكم العادة.. والأيام عمّالة تمُر.. دايمًا يشرب قهوته سادة.. ويرجع يشكي الطعم المُر"، والذي يستطيع منافسة كلمات ألبومات غنائية كاملة فقط بـ تلك الجملة من وجهة نظري، قُدمت الأغنية بشكل تصاعدي بدايةً من الاحساس بالكلمات المتصاعد بالتدريج، ومعه اللحن لـ احساسه اللائق كثيرًا بـ الكلمات بتوقيع أحمد زعيم، حتى أن توزيع فهد جاء على نفس المستوى بدايةً بالانترو المُعبر والذي وضّح "مود كلمات الأغنية" من قبل أن تتغنى بها أصالة، بآلات موسيقية قليلة، ثم بدأت تجتمع الآلات بالتدريج اتساقًا باحساس الكلمات واللحن.

"حيطة سد" هي ثالث أغنية في باقة الجوري، حالة مختلفة تناوُلُها نادر وأعتقد جديد في الوسط الغنائي مناقشة تلك الحالات التي يكون فيها البعد اختيار قنوع على الرغم من حالة الحب الشديدة التي تربط بين الطرفين، قدم الشاعر عمرو المصري تلك الحالة بمهارة الشاعر المختلف وجباروت العاشقون عندما كتب "هنتجرأ ومن حكايتنا نتبرأ"، أحببتُ لحن هذه الأغنية كثيرًا مثلما أحببت لحن "جدًا جدًا" و "يوم يومين"، ومن شدة اتساق الحان الثلاث الأغاني مع كلماتهم أشعر أن الكلمات كُتبت على الألحان وليس العكس، ومثلما أحببت اختلاف عمر عادل في لحن "حيطة سد"، أعجبت كثيرًا أيضًا بتوزيع عمرو الخضري لها وخاصة في الفواصل الموسيقية.

جاء وقت الركود:

كما نعلم أن الفن أذواق، وإن لم يكن هناك اختلاف في الآراء والأذواق، بدوره لم يكن هناك مايسمى ذوق أو رأي، فـ إذا تحدثنا عن "في قربك" سنجد أن كلماتها التي كتبها محمد سرحان بسيطة بشكل كبير، ولحنها إيهاب عبد الواحد بشكل جيد وتقليدي قليلًا، ووزعها فهد بشكل مألوف كثيرًا في أغاني عمرو دياب، غير أن انترو التوزيع في بداية الأغنية ذكرني بـ أنترو توزيع "عايشالك" لـ إليسا، وذكاء من أصالة أن تختارها عنوان لـ ألبومها، وجاء إهداء الأغنية لـ أبناءنا في شكل كليب "كرتوني" مناسب لـ بساطة وطبيعة الكلمات التي يضفو عليها شئ من النقاء.

"سابوك" لـ الشاعر جمال الخولي الذي أحب كثيرًا إبداعاته واختلافه في رسم الحالات، ولكن في هذه الأغنية تخلّى قليلًا عن ما عودنا عليه من اختلاف في رسم الكلمات، واختار هذه المرة أن يُقدم الحالة بشكل أكثر سلاسة ووضوح وبدون فرد عضلات، الموضوع يلمس عدد كبير من المستمعين لـ واقعيته الشائعة كثيرًا هذه الفترة، ولكن إذا تم مقارنته بـ باقة مواضيع الورد الجوري لم تكن في صالحه، اللحن لـ أحمد العدل جيد ولكن ربما يكون به ملل قليلًا والتوزيع لـ عادل حقي جاء مناسب للحن والكلمات.

وفي الختام الألبوم بشكل عام من الممكن أن يكون تحويل مسار لـ أصالة في مشاوارها الفني ونقطة تحول إيجابية، ومحاولة ذوقية منها في إرضاء جميع الأذواق وأرى أنها وُفقت في ذلك، ربما لا يكون من أقوى ألبوماتها ولكنه الأجرأ في مسيرتها الفنية وذلك يُحسب لها بشكل إيجابي، اختارت أن تختلف وتتطور وتغير من جلدها ليس فقط في اختيار الأغاني ولكن في تلك الاستايلات الرائعة المتنوعة التي طلّت بها علينا من خلال الفيديوهات المصورة لـ كل أغنية والتي وُفقت في اختيار استايلات مناسبة لـ جو وحالة كل أغنية سواء في الأزياء أو الميكاب والشعر، وحتى في تعابير الوجهة ولغة الجسد هي وُفقت كثيرًا.