نشرت الصحيفة الاستقصائية البريطانية "ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال -تي آي چيه" تحقيقًا استقصائيًا عن نقاط ضعف سياسة مكافحة التطرف في هولندا، وكشف التقرير عن كيفية قيام أحد الجهاديين المدانين قضائيًا باستقطاب العناصر للجماعات الجهادية وكيف أصبح مُعلِّمًا مؤثرًا في أوساط الشباب في أمستردام.
وناقش التقرير دور بلال لامراني، وهو عضو سابق في الجماعة الهولندية الإرهابية المعروفة باسم "شبكة هوفستاد"، الذي عمل مؤخرًا كمدرب لمعالجة التطرف في أمستردام؛ حيث حصل على فرصة للتواصل الشخصي مع الشباب والشابات من قليلي الخبرة والقابلين للتغرير بهم من قبل الجهاديين.
وطبقًا للمنشور فإن الثقة وصلت من جانب سلطات أمستردام في لامراني إلى حد أنهم قاموا بتعيينه كمدرب في دورات كرة القدم، مما سمح له بالوصل إلى عقول أكثر شبابًا وأكثر عرضة للتطبع بأفكاره.
وسردت صحيفة تي آي چيه قصة لامراني الذي كان عضوًا في شبكة هوفستاد سيئة السمعة في بدايات الألفينات وصولًا إلى دخوله السجن لثلاثة سنوات في فبراير 2006 لإدانات تتعلق بالإرهاب.
وطبقًا لوثائق التقاضي، كان لامراني يعد العدة لهجوم إرهابي، بل وحاول تجنيد مسجون آخر كان معه في السجن خلال فترة حبس قضاها بحكم قضائي جراء تهديده للسياسي الهولندي جيرت ڤيلدرز، وأيضًا في هذا الوقت وجدت الشرطة مئات النسخ من الكتب الإسلامية المتطرفة ومعلومات عن كيفية صناعة القنابل والمتفجرات بحوزته.
ويوثق التقرير أنه ثبت أيضًا أن لامراني كان على صلة وثيقة مع محمد بوييري، الإرهابي الذي قام بعملية الاغتيال سيئة السمعة لمخرج السينما الهولندي ثيو ڤان جوخ؛ وأنه بعد إطلاق سراحه في 2008، تم إدخال لامراني نفسه في برنامج معالجة التطرف.
وأضاف التقرير أنه تم تعيين لامراني بعدها من قبل السلطات في أمستردام للعمل كجزء من شبكتهم الخاصة بالمتابعة والتي تدعم الشباب المعرض للفكر المتطرف.
ولكن طبقًا لتحقيق تي آي چيه الذي قام به رونالد ساندي، وهو محلل سابق في شئون مكافحة الإرهاب لصالح المخابرات الحربية الهولندية؛ فإن لامراني لم يترك آراؤه المتطرفة السابقة، بل وعبر عن شكوكه في 2014 عمّا إذا كانت معالجة التطرف ممكنة من الأساس.
وقال لامراني في حديثه لصحيفة ڤولكسكرانت الهولندية إنه لا يؤمن ببرامج معالجة التطرف، مشيرًا إلى أنها صناعة تتضمن الكثير من الأموال ولا تتحصل فيها على نتائج حقيقية حيث يمكن ببساطة أن تعطي إجابات غير حقيقية للكثير من الأسئلة".
تحقيق ساندي الذي نشرته صحيفة تي آي چيه يكشف علاقات مثيرة للقلق بين لامراني وإرهابيين آخرين هربوا من هولندا بالفعل، حيث تركت شقيقة لامراني، ساره، هولندا لتلتحق بداعش وتتزوج من مجاهد بلچيكي حتى لاقت حتفها هي وابنتها في 2018.
طبقًا لتقرير ساندي فإن لامراني يظل أيضًا على علاقة بسمير عزوز، وهو عضو آخر بشبكة هوفستاد ولازال يصنف كتهديد من قبل المخابرات الهولندية.
تحدث تقرير ساندي أيضًا إلى جانب إثبات وجود علاقة وثيقة بين لامراني والإرهابيين المعروفين، عن والد أحد الشباب الهولنديين الذين ارتحلوا إلى سوريا للانضمام إلى داعش والذي كشف عن اتصال لامراني الوثيق بإبنه حتى أن آخر رقم قام بالاتصال به قبل أن يختفي كان رقم لامراني. طالب الأب السلطات الهولندية بمسائلة من قام بتجنيد إبنه ولكن لم يتم إطلاق أي تحقيق في المسألة ولا يزال لامراني يعمل في أمستردام حتى يومنا هذا.
وتأتي اكتشافات ساندي الصادمة كدلالة على إخفاقات أوسع في أمستردام في مجال مراقبة النشاط المتطرف. وجاء تشغيل لامراني لحساب الحكومة في مجال مكافحة الإرهاب بمساعدة عمدة أمستردام السابق إيبرهارد ڤان ديرلون الذي تراخت المدينة تحت قيادته عن متابعة عدد من القضايا الخاصة بهروب شباب وشابات هولنديين من منازلهم للالتحاق بالمجاهدين.
أحد هذه القضايا تتعلق بهروب أشرف بو عمران، الشاب ذو ال١٦ عامًا إلى تركيا في طريقه للالتحاق بداعش على الرغم من إبلاغ والده، فارس؛ البوليس الهولندي عن أن إبنه يتم إعداده للتطرف مع تفاصيل لقاءاته مع غيره من المتعاطفين مع المجاهدين وعنوان أماكن لقاءاتهم ولكن لم يتدخل أحد وسافر إبنه المراهق عام ٢٠١٣ ولم يعد بعدها!
قضية ثانية أثارها التقرير تتعلق بعمر هميمة، الذي تم القبض عليه وبحوزته خامات ومعدات تستخدم في تصنيع المفرقعات وتمت إدانته عام ٢٠١٣ بالإرهاب؛ وعلى الرغم من أنه كان مصنفهًا كتهديد من قبل السلطات فإنه قد تمكن من قضاء فترة الاستئناف الخاصة به بحرية مكنته من السفر إلى سوريا والعراق ليصبح مقاتلًا في صفوف داعش.
يؤمن ساندي أن هذه الفرص الضائعة تظهر كيف أن السلطات في أمستردام تغط في سبات عميق من ناحية رصد انتشار الفكر الإرهابي المتطرف في البلاد.
ويرصد ساندي من خلال التقرير أن الكثير من الأفكار الخطرة التي يتم نشرها بين الشباب الهولندي المسلم تأتي من خلال النهج الإسلامي الذي يتم نشره من خلال المساجد التي تمولها قوى دولية على صلات بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية العالمية.
يشير تقرير تي آي چيه أيضًا إلى تيار سلفي متشدد من الإسلام السني ويتم تدريسه في المساجد التي يدعى تمويلها من قبل بعض الدول السنية بالخليج خاصة دولة قطر. ويظهر التقرير أن التمويل قد أتى بالفعل في وقت قصير حتى استطاعت جماعة الإخوان المسلمين شراء أربعة عقارات في أمستردام وروتردام وذاهيج قيمتها تناهز الخمسة ملايين يورو.
واختتم تقرير ذا إنڤستيجيتيڤ چورنال مؤكدا أن الحكومة والبيروقراطية الهولندية لم يكن لديهم أي ردود أفعال لدخول الجماعات السلفية الممولة والمناهضة للاندماج والأخوان المسلمين إلى هولندا.
وأضاف "في الأعوام التي تلت 2008 بات واضحًا أن سياسة الإخوان المسلمين في هولندا تركز بوضوح على المدن الكبرى ووصفهم تقرير برلماني للمخابرات الهولندية في 2010 بأنهم يعملون بسرية ضد دمج المسلمين في المجتمع الهولندي وأن أنشطتهم ستؤدي على المدى الطويل إلى أضرار للنظام القانوني والديمقراطي".