عندما تجري الحياة في مجتمعًا ما وعلى بقعة جغرافية، تتراكم التقاليد والمبادئ لتلك الحياة فتصبح حافظةً للمجتمع فيسمونه اخلاقًا، ويجمعه البعض تحت ما يسمى القانون.
ان قوة التحكم والسيطرة التي سميت بالسلطة حتى تمارس سيطرتها تدعي انها ادارة جوهرية تطبق القانون الذي يحقق الحق والعدالة بين افراد المجتمع اي ان شرعيتها تأتي من الشعب وتطبيقها للقانون.هكذا تطورت المجتمعات قديما وجعلت من تطبيق القانون هدفًا لها للحفاظ على ديمومتها واستقرارها.
ولكن نلاحظ أن التاريخ يعلمنا أنه في حال عدم تطبيق هذه المعادلة فأن هذه السلطة تزول مهما بلغت سطوتها وقوتها. لأنه لا سلطة من دون مجتمع ولا مجتمع من دون قانون. وأننا في حال تطبيق هذا على ما تعيشه السلطة في تركيا، نراها أنها تعيش حالة من الشلل وعدم الاستقرار والصراعات والخلافات المستمرة مع المجتمع داخليا وكذلك مع دول الجوار.
لو نظرنا لقرار السلطة التركية اي سلطة الثنائي (اردوغان وبخجلي) في عزل رؤساء البلديات المنتخبين الثلاثة في مدن ( آمد ـ ميردين ـ وان)، نرى انها تمت باسم القوانين التي تعبر عن ارادة السلطة التحكمية البعيدة عن الارادة المجتمعية واخلاقه وقوانينه. والسلطة بهذه الخطوات تؤكد على عدم شرعيتها وخوفها من المجتمع طالما ان الانتخابات والشعب هو مصدر الشرعية.
ونفس سلطة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في تركيا وفي تعاملها وسياستها الخارجية، تخرق كل الاعراف والقوانين الدولية وذلك بتدخلها السافر في قبرص وليبيا من ناحية وتجاوزها للحدود الدولية في العراق وسوريا ودعمها للإرهابيين من القاعدة وداعش من ناحية أخرى، اي ان عدم احترامها للقوانين هو ما يجسد ويفتح الطريق امام مطامعها التوسعية التحكمية بغض النظر عن كافة المجتمعات والشعوب الاخرى لكن هل تنجح هذه السياسات البعيدة عن الالتزام بالعدالة والتي هي روح القوانيين؟
ان العدالة تعني ان تعيش الشعوب والمجتمعات المختلفة ومنها الكردية في تركيا بأخلاقها وخصوصياتها وثقافتها وان تحترم ارادة ناخبيها في ظل ديمقراطية حقيقية. وان العدالة تعني ان لا يتم دعم الارهابيين والتعدي على سيادة دول الجوار تحت حجج مختلفة وباللعب على التناقضات الدولية، لان من يكون مريضًا لا يستطيع معالجة الآخرين مهما هرب من وضعه وحاول تصدير امراضه ومشاكله للخارج.
أردوغان الذي يحاول تصدير أزماته ومشاكله الداخلية والتي تراكمت حتى باتت مثل تسونامي، لا يستطيع التخلص منها مهما حاول إشعال الحروب على حدوده الجنوبية أو تهديد هذا الطرف أو ذاك. بل ينبغي على أردوغان أن يلتفت لحل كل المشاكل التي تهدد سلطته وبقائه، لا أن يهرب منها.
للحفاظ على الأمن القومي لا يتم مطلقا بتهديد الشعوب الأخرى وكذلك لا يمكن أن يعيش شعب بإقصاء شعوب أخرى، بل الأمن القومي والوطني يبدأ قبل كل شيء من احترام المجتمعات وثقافتها وتاريخها. ولكن ما يقوم به أردوغان هو عكس ذلك بكل معنى الكلمة وهي حقيقة تشكل الجمهورية التركية بنفس الوقت. إذ، نعلم أنه حينما تشكلت الجمهورية التركية كان على حساب المجازر التي تمت بحق الأرمن والآشور والكرد وكذلك الغرب.
هذا هو تاريخ تركيا الذي يتغنى به أردوغان ويسعى على تكراره ثانية كي يطيل من عمر الجمهورية، ولو كان هذه المرة أيضًا على حساب الكرد. وهذا لن يحقق لا الأمن القومي التركي ولا حتى أمن أردوغان بحد ذاته.
ان ايجاد القوانيين الجيدة التي تجلب الحلول للمشاكل المختلفة لا يكفي، بل ان ايجاد بيئة مناسبة ووجود ارادة حقيقية وقوة لتطبيقها هي ضمانة لعدم تجاوز الاطراف المختلفة وعدم وضعها بالمسارات الوظيفية الخادمة لفئات معينة ومن يحاول غير ذلك لن ينجح مهما تحكم واعتدى على الاخرين.