الرسائل الأخيرة، التي خرجت من البيت الأبيض تجاه ايران رسائل متضاربة ومختلة. ولا توضح إن كانت واشنطن ستسير في الطريق الذي حفره ترامب منذ مجيئه في الضغط على إيران وإجبارها على تغيير استراتجيتها الداعمة للفوضى والميليشيات في المنطقة؟ أم أنه قرر فجأة، استجابة لحسابات أخرى الدخول في هدنة مع إيران وترك الملالي يفعل ما يشاء، بعدما انتهت موجة الضغط..
أقول هذا الكلام، بعدما ترددت على نطاق واسع حكايتين، الأولى عن الزيارة التي رفضها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لمقابلة ترامب، خلال وجود ظريف في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا، فقد حمل أحد أعضاء الكونجرس رسالة الى ظريف يخبره فيها برغبة الرئيس ترامب لقائه. لكن ظريف رفض طلب الزيارة بناءً على توجيهات من إيران، ثم أملى شروطا إيرانية بحسب التقارير المتداولة، انه إذا كان ترامب يريد لقاءات ومفاوضات ويريد المزيد فعليه تقديم المزيد، ثم تردد أنه تم رفض 8 طلبات أمريكية للقاء قادة إيران!
هذه التقارير في الواقع مزعجة، وإن صحت فإنها استجداء أمريكي طلب اللقاء مع قادة الملالي وهو لا يصح على الإطلاق لا سياسيًا ولا دبلوماسيًا ولا حتى على موازين القوة.
أما الحكاية الثانية، فهى اللقاء المفاجىء الذي عقده وفد إماراتي رفيع المستوى في طهران، مع مسؤولين إيرانيين لتأمين الملاحة في الخليج العربي ومناقشة بعض المسائل الحدودية. وهو ما لم يحدث منذ 6 سنوات!
موقع "ديبكا" الإسرائيلي القريب من الاستخبارات الإسرائيلية نقل تفاصيل كثيرة مزعجة عن اللقاء، وزاد في تفاصيل لم يتأكد أحد منها بعد ولا يمكن كتابتها الآن، لكن المجمل وفق ما ورد على لسان مسؤول إماراتي لـ"ديبكا"، إنه اذا كانت غاية واشنطن التفاوض مع إيران، فما حاجتنا لتحالف عسكري يعادي إيران ويؤمن الملاحة في الخليج.
ومن الآخر كما يقولون، إنه اذا كانت واشنطن تريد من وراء كل ما تقوم به، إجبار ايران على الجلوس والمفاوضات، فما حاجة الإمارات وغيرها لاستعداء إيران بتحالف عسكري بحري.
هل مطلوب أن تتواجه الدول الخليجية مع إيران عسكريا، أما واشنطن فإنها تبحث عن الأحضان الدافئة لطهران!
ماذا يحدث؟ وماذا تغير داخل إدارة ترامب فجأة؟
المطلوب إجابة سريعة لهذه الاشارات المتضاربة، لأنها ستغير كثيرا من مسار المواجهة العربية – الإيرانية في المنطقة، وستقودنا في النهاية إلى معسكر الذل الإيراني.
ولو انتهى الصراع الحالي مع إيران برفع العقوبات عنها، وانتصار طهران مع بقاءها في مواقعها بميليشياتها في الدول العربية المحتلة، فإنه سيكون من الصعب بل من المستحيل تمامًا في المستقبل ردع إيران او وضع حد لرغبات الهيمنة التي تسيطر عليها وعلى نظامها.
ما يحدث من جانب إدارة الرئيس ترامب في الساعات الأخيرة مزعجا بما فيه الكفاية. وعليه أن يعرف أن الصفقة واللعبة مع إيران تختلف اختلافا جذريًا عن أي صفقات أخرى يلعبها.
فما يحرك طهران، أجندة مذهبية عقائدية ،أى انها لن تتراجع قيد أنملة عن خططها في الغزو والتوسع والهيمنة. فبماذا يؤمن ترامب داخل إيران؟ وعلى من يراهن؟ ومن دفعه لتغيير مواقفه؟ وعل فعلا طهران ستنتصر؟!
إن سياسة العصا، وليست الجزرة هى التي تنفع مع النظام الإيراني العنيد، أما غير ذلك فعبث سينتهي إلى كارثة فادحة في الشرق الأوسط وتسيد إيران الموقف.