السؤال الذي يفرض نفسه عند الإعداد للمشروع القومي، هل نزرع التين الشوكي لإنتاج الأعلاف .... فقط ؟
يأخذ المشروع صفة القومية عندما تتشارك قطاعات متعددة من الدولة في إقامته، وعندما يرتبط نجاحه بصالح أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع.
لذلك فقصر المشروع علي مجال الأعلاف سييحقق بالفعل مكاسب و لكن ليست بالمكاسب المرجوة.
فعلي من يرغب أن يحقق مكاسب من مشروع كهذا:-
إن يدرس الصناعات القائمة فعلا على نبات التين الشوكي في الدول الأخري كالمكسيك و البرازيل و إيطاليا و المغرب و تونس و إثيوبيا، و سيجد العشرات من الصناعات السهلة التنفيذ والتي تعظم من العائدات من هذا المشروع، و أن يختار منها ما يتناسب مع قدراته الإنتاجية و التسويقية .
كذلك يجب علي المستهلك المصري أن ينظر في إضافة هذا النبات الي قائمة طعامه، لما يتميز به من طعم جيد و قيمة غذائية عالية و خلوه من متبقيات المبيدات، فضلا عما عرف عن هذا النبات من فائدته الكبيرة لمرضي السكر و السمنة وضغط الدم و قرحة المعدة، وذلك طبقا و تقرير سابق لوزارة الزراعة ممثلة في معهد تكنولوجيا الإغذية، وكذلك بعض الأبحاث الطبية التي صدرت في الآونة الأخيرة و التي تحدثت عن إحتواءه على مواد و فيتامينات و مضادات للأكسدة تساعد على تقوية المناعة المكتسبة للجسم للحد من الإصابة بسرطان الأمعاء و البروستاتا خاصة لدى الرجال.
فهذا النبات يعتبر طبقآ رئيسيا في المطبخ المكسيكي و دول أمريكا اللاتينية، كما أن المغاربة يستخدمون ثماره في إنتاج أنواع المربات و العصائر الممتازة . و إذا كانت ثمار التين الشوكي مرتفعة الثمن نسبيآ حاليآ فإن التوسع في زراعته سيفرض تخفيض السعر و البحث عن وسائل مربحة لإستخدامه .
كل هذه الفرص الممكنة لتحقيق أنشطة و عائدات اقتصادية ضخمة لا تصرفنا عن أهم أهداف هذا المشروع القومي، ألا و هو تأمين مصدر مستدام لأعلاف الحيوانات، مما يوفر قسطأ كبيرآ من فاتورة إستيراد مكوناتها و الذي يمكن أن يحقق وفرا يصل إلي 25% أسوة بما حققته دولة جنوب إفريقيا (أي بما يعادل 7 مليار جنية سنويا)، و ما يترتب علي ذلك من :
* تقليل تكلفة تغذية الحيوانات مما يقلل مخاطر الخسارة لدي المربين .
* تقليل تكلفة علاج الحيوانات لتحسن المناعة الطبيعية لها نظرا لما هو معروف عن هذا النبات من عدم إستخدام المبيدات أو المخصبات الكيماوية، و هذا الأمر لوحظ بوضوح في التجارب التي أجراها الفريق البحثي للشركة المصرية لتنمية وتطوير الأعمال (إبداع) و الذي تحدثنا في المقال السابق عن إنجازاته غير المسبوقة في مصر.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف يتم تنفيذ المشروع في مختلف المحافظات؟
إذا أخذنا على سبيل المثال محافظة أسوان نظرا لتميزها بالأتي:
* مساحتها الشاسعة و الغير مستغلة.
* جوها الشديد الحرارة.
* وفرة المياه لوجود بحيرة السد علي طول المحافظة، فضلا عن وجود خزان المياه الجوفي بها و مجاري تحت الأرض لنهر النيل.
* تعتبر بوابة مصر علي السودان و سائر أفريقيا، و المعبر و المقر لتجارة الجمال بين مصر و السودان و التي تزيد عن 200 ألف جمل يتم إستيرادهم سنويآ.
* ضعف الأنشطة الإقتصادية بها رغم مميزاتها الطبيعية و التي تكفي لتوطين ملايين المصريين في حالة حسن إستغلال مواردها.
* وجود مشكلة أبناء النوبة الراغبين في العودة للعيش علي ضفاف النيل لخصوصية ذلك في موروثهم الثقافي.
كل هذه الخصائص تفرض علي هذه المحافظة ضرورة المشاركة في هذا المشروع بزراعة موسعة لنبات التين الشوكي علي مسار رحلة هذه الجمال من حدودنا جنوبا و حتي مقر تجمع الجمال في وادي العلاقي و مدينة دراو.
أضف الي ذلك زراعته علي مسار طريق الحرير الآفريقي البري و السكك الحديدية و الذي يفترض أن يتم البدء في تنفيذه قريبآ.
فخاصية هذا النبات في تحمله الشديد للحرارة و إحتوائه علي حوالي 82 % ماء (نظرا لأن ألواح هذا النبات تغطيه طبقة خارجية شمعية تعمل على السماح بإمتصاص النبات للرطوبة الموجودة بالهواء الجوي و تقليل فقد النبات للمياة عن طريق النتح و تعكس الإشعاعات الشمسية ومن ثم تخفض من حرارة النبات وتعمل أيضا على حماية النبات من الفطريات و الجراثيم و الحشرات)، بالإضافة أنه كما ذكرنا سابقا أن زراعة التين الشوكي تتميز في المناطق الرملية التي لا تصلح للزراعة العادية، بالإضافة الي طعمه المقبول ( و نقصد هنا النبات لا الثمر) مما يجعله عونا ممتازا لعابري هذا الطريق الجديد سواء القائمين علي إعداده أو تنفيذه أو مستخدميه فيما بعد .
خطوات تنفيذ المشروع :
* تحديد النقاط الرئيسية المحتمل وجود تمركز فيها لقوافل الجمال أو لمسارات الطرق التجارية المزمع إنشائها.
* تحديد الآماكن الملائمة لزراعة التين الشوكي في هذه النقاط.
* البحث عن مصادر المياه القريبة لهذه الزراعة، و نظرآ لأن هذا النبات يحتاج الي كميات قليلة من الماء، فضلآعن تحمله الشديد للعطش فإن أي وسيلة لتوصيل المياه لبدء الزراعة لن تكون مكلفة. و من الطبيعي أن مرور البشر علي هذه النقاط سيوجد المياه لتلبية إحتياجاتهم و ما يفيض سيعود الي الزرع.
* البدء فورا في إعداد أماكن لتربية و إكثار الجمال لتقليل الإستيراد في المستقبل، و تدريب العمالة علي هذا النشاط .
* البدء فورآ في دراسة المشروعات الصناعية و التجارية الممكن إقامتها علي هذا المشروع و التمهيد للبدء في طرحها و تشجيع صغار و كبار المستثمرين علي الدخول فيها.
فمثلا نقاط التمركز هذه تصلح لعمل محطات إستراحات و خدمات للعابرين.
كذلك إقامة مصانع للأعلاف التي ستستخدم ألواح النبات في إعداد الخلطات المختلفة للأصناف المختلفة من الأعلاف.
و أيضآ إقامة المصانع التي تستخدم الثمار في إنتاج المربات و العصائر، و إستخدام البذور الناتجة من الثمار في إنتاج الزيوت ذات الجودة العالية و التي تصدر بقيمة تصل إلي 1000 دولار للتر الواحد (نظرا لإستخدمها في إنتاج العديد من منتجات التجميل و العناية بالبشرة والشعر)، و توريد قشر الثمار الذي يمثل 45% من الوزن الكلي للثمرة لمصانع الأعلاف بالإضافة إلي إمكانية استخدامه في مراحل متقدمة للمشروع في إنتاج بعض المنتجات الهامة مثل الكحول و الجلسرين و حمض الخليك و البكتين.
و في نهاية حديثنا لزم أن نذكر الإهتمام العالمي بهذا النبات و أهميته في مواجهة تحديات القرن الحادي و العشرون و الذي يظهر جليا في التقرير الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في عام 2017 و الذي أعتبر في تقريره بأن نبات التين الشوكي هو "غذاء المستقبل" نظرا لأنه نبات ذو الفوائد التي لا تحصى، و أنه يعتبر جزءا لا يتجزأ من أنظمة الزراعة المستدامة و العناية بالماشية، ودعت إلي نشر الوعي عبر العالم حول الفوائد الصحية و الزراعية لنبات التين الشوكي وأنه الحل الأساسي لمواجهات أزمات الجفاف من خلال إستخدامه كغذاء للإنسان و أعلاف للحيوانات، و دعت المنظمة صناع السياسات على تبني إستراتيجية فعالة فيما يخص إستغلال نبات التين الشوكي.
و أضاف أيضا التقرير أن تغير المناخ وتزايد مخاطر الجفاف أسباب قوية لزيادة الاهتمام بنبات التين الشوكي ورفع قيمته ليصبح محصولًا أساسيًا في العديد من المناطق نظرا للحاجة الماسة لتعزيز قدرات العالم في مواجهة أزمات الجفاف وتدهور التربة وارتفاع درجات الحرارة.