مش يمكن أطلع بعرف ؟

الإيفيه الذي أطلقه النجم أحمد مكي في فيلم "لا تراجع ولا استسلام" الذي عُرض عام ٢٠١٠، مازال عالقًا في رأسي، لا يغيبُ عن ذاكرتي، وأراه أحد أسباب الفشل الرئيسية لكل من أصر على خوض مجالٍ لا ينتمي إليه، أو القبول بمهنة لايعرف أصولها، أو بالأحرى ارتداء ثوبٍ ليس على مقاسه، وذلك وفق النظرية التي يُرسخها الإيفيه : مش يمكن لما أجرب، أطلع بعرف.

إذا كان الإيفيه السابق أهم أسباب الفشل في الواقع الوظيفي والعملي، فأهم أسباب النجاح في المطلق، أن تعرف حدود امكانياتك جيدًا، وتتحرك في ضوء قدراتك ومهاراتك، تلك قاعدة ذهبية، على كل شخص أن يجعلها دستور حياته، فحين تخوض مجالًا تعرف أين تضع قدمك فيه، فإنك تغدو أكثر قدرة على تحقيق الإنجاز وإحراز نتائج إيجابية، وعلى النقيض من ذلك، يكون الأمر، إذا حاولت خوض مجال عمل غير مناسب لمؤهلاتك.

الكثير من النماذج حولنا في كل مجال، اتخذت من هذا الإيفيه خارطة طريق، فهم يقتنصون الفرصة وراء الاخرى، حتى وإن لم تكن ملائمة لهم، فكانت النتيجة صفرًا كبيرًا، دون أي إنجاز يُذكر.. ولكي نكون منصفين، فجزء كبير من الخطأ يتحمله أولئك الذين تقع عليهم مسئولية الإختيار، والذين لم تكن اختياراتهم جديرة بالثقة، ولكن يظلُ المرء في نهاية الأمر مسئولًا بدرجة كاملة عن اختياراته الخاطئة، وموافقته على أداء دورٍ لايناسبه، يفرض أن يحاسب عند فشله على ما أخفق في أدائه.

وإذا كانت "التجربة" في حد ذاتها سبيلًا هامًا للتعلم، كما أن المغامرة بخوض مجالات جديدة تفتح الابواب على مصراعيها نحو المعرفة، إلا أن الانتقاد في هذا المقال موجه إلى من يقرر خوض مجال عملي لم يدرس أصوله، أو يتدرب على قواعده، لاسيما وان كانت الآثار المترتبة على قيامه بهذه المهمة لا تقتصر على الشخص ذاته، بل يكون لها تأثير على دائرة من الأفراد، أو تأثير مجتمعي، وسبب هذا الإيضاح أن لا يظن أحد أن المقال يروج للتكاسل والركون إلى الراحة ووأد فضيلة "التعلم".

قديمًا.. قال أهل العلم: من قال لا أعلم فقد أفتى... وقال الخليفة الأموي عُمر بن عبد العزيز: من قال لا أدري فقد أحرز نصف العلم… كما رُوي عن الإمام مالك بن أنس، أن رجلًا سأله في مسألة، فقال: لا أدري، فرد الرجل: كيف وقد جئتك من بلد بعيد، فرد الإمام: أرجع بلدك وقل لهم سألت مالك وقال لا أدري.. فمتى يمتلك أحدنا القوة على نفسه، ليقول إذا تم تكليفه بمهمة لايقدر عليها: لا أستطيع، تلك القوة التي تحدث عنها الجاحظ في إحدى كتبه، والتي قال فيها: إن من يملك تلك القوة على نفسه، وحده يجبر من يختار على دقة التثبت وحسن الإختيار.

"سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" ( البقرة : ٣٣)