في ذكرى رحيل الأب الروحي.. أسامة أنور عكاشة ساحر الدراما التليفزيونية
ساهم بشكل كبير في إنعاش وتطور الأدب في مصر بجانب أعماله الدرامية التي حفرت في أذهان الكثيرين منذ صغرهم، وما زال المصريون يذكرونها رغم مرور عشرات السنوات، إنه الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الذي تحل اليوم ذكرى رحيله.
لعائلة متوسطة يعمل ربها فى التجارة، ولد «أسامة» عام 1941 فى طنطا، وانتقل بعد ذلك إلى كفر الشيخ، لم يتم عامه السادس حتى تذوق المرارة الأولى بفقدان والدته، ليحفر اليتم جرحًا غائرًا فى قلب الطفل الصغير، ظل يعاني منه طوال حياته، وجعل منه طفلًا منعزلًا يهرب من الجميع بالقراءة، ما ساهم فى تأسيس وجدانه، وأضحى بمثابة البذرة الأولى فى شخصية كاتب سيصبح من الرواد بعد سنوات، لم يجد الحنان الذى يبحث عنه فى شخصية والده الصارمة، لكن عوضته عنه زوجة أبيه التى تربى لديها خلال فترة طفولته، حياة عامرة بالآلام والانتصارات صنعت منه "حكواتى" من طراز خاص.
قادت الصدفة عكاشة إلى الدراسة فى قسم علم النفس والاجتماع، فى كلية الآداب، ليتعرف هناك على عبدالقادر القط وعز الدين إسماعيل، حيث كان لهما دور فى توجيهه إلى الكتابة بعدما لمسا الموهبة التى يمتلئ بها الشاب الصغير، الذى عمل بعد تخرجه أخصائيًا اجتماعيًا فى مؤسسة لرعاية الأحداث، وتنقل بعدها فى مجموعة من المهن الأخرى، فكانت بمثابة فترة يستطيع فيها التعامل مع قطاع أوسع وفئات مختلفة من البشر يختزنها فى ذاكرته ويستدعيها عند الحاجة ممزوجة بإبداعه.
"خارج الدنيا" المجموعة القصصية الأولى للكاتب الشاب، التى فتحت له الباب أمام الدراما التليفزيونية عندما طلب منه سليمان فياض قصة منها ليتم تقديمها فى سهرة تليفزيونية، لتتوالى بعدها التجارب ويظهر معها اسم "اسامة أنور عكاشة" فى نهاية السبعينات، فقرر تقديم استقالته من العمل كأخصائى اجتماعى فى رعاية الشباب بجامعة الأزهر عام 1982، مقابل التفرغ للكتابة، ليلمع اسمه أكثر ليكون الأب الروحى للدراما المصرية فى فترة فارقة من تاريخها.
أسامة أنور عكاشة طوّر في طريقة كتابة المسلسلات التليفزيونية، واستطاع أن يستخدم موهبته الروائية في تحويل الدراما لروايات حية، مع عدد كبير من الشخصيات في كل مسلسل، ولكل شخصية جذور وبدايات تبرر أفعالها أثناء الأحداث، ومن إضافاته أيضًا المسلسلات متعددة الأجزاء والتي احتفظت بجماهيرية عالية رغم عرضها على مدى سنوات متباعدة، وبعده أصبحت المسلسلات تعرف بمؤلفيها وليس فقط بممثليها ومخرجيها.
ويعد مسلسل "ليالي الحلمية" باب المجد والشهرة لـ أسامة أنور عكاشة، وجاء "ليالي الحلمية" في خمسة أجزاء، شارك فيه عدد كبير من الممثلين يصل إلى 300 ممثل، وأخرج هذا المسلسل الكثير من نجوم الدراما في السنوات اللاحقة، ولن ينسى محبو المسلسل تترات بداية ونهاية المسلسل من غناء محمد الحلو، وكلمات سيد حجاب.
وبعدها جاء مسلسل "أرابيسك"، والذي استحضر فيه روح مصر التي تتميز بالتنوع نتيجة التيارات المختلفة التي مرت بها في تاريخها وسنوات الاحتلال الطويلة، ولا يوجد أفضل من الفنّ ليعبر عن ذلك، فجاءت الشخصية الرئيسية في المسلسل "حسن أرابيسك" الفنان الذي يمتلك ورشة لصنع التحف من الخشب والصدف والنحاس، وموهبة لا تضاهى، لكن الإحباط والشعور بعدم التقدير أفقداه التوازن لفترة طويلة من الزمن ليجد الملاذ ليصحح مساره في فيلا أحد العلماء المصريين الذي قرر أن يحول منزله إلى دليل على تسلسل الحضارات على مصر، فيصبح لكل قاعة طابَع معين، منها اليوناني والروماني والمملوكي والإسلامي والذي يعمل عليه حسن.
وفي "زيزينيا" حيث تدور أحداث المسلسل في الأربعينيات من القرن الماضي، عندما عاشت الإسكندرية أزهى عصورها، حيث اختلط فيها الأجانب بالمصريين ليصنعوا مجتمعًا مختلفًا عن باقي مدن مصر، من خلال شخصية رئيسية هي "بشر عامر عبدالظاهر"، ذي الأب المصري والأم الإيطالية، الذي يعاني من محاولة كل جانب اجتذابه.
ومن بين أهم مسلسلات أسامة أنور عكاشة، كان "ضمير أبلة حكمت"، الذي تناول خلاله العديد من القضايا المهمة، مثل التعليم والأسرة ومشاكل الفتيات المراهِقات وغيرها، من خلال شخصية أبلة حكمت ناظرة مدرسة البنات والتي جسدت دورها الفنانة "فاتن حمامة" وكان أول عمل درامي لها.