عندما يذهب المصلون للوضوء أو يتجهون لمكان الصلاة قبيل صلاة الجماعة في مساجد القاهرة، غالبا ما يُسمع صوت نقر متكرر على الأرض ناجم عن ارتطام أحذية خشبية تقليدية تسمى "قباقيب" بأرضية الميضأة الرخامية.
ويُنظر لهذه القباقيب، التي تُترك في كثير من المساجد ليستخدمها المصلون، على أنها أحذية عملية للوضوء بسبب المواد المصنوعة منها.
وتُنتعل القباقيب، التي تُصنع من الخشب والجلد، وتعود جذورها لقرون مضت، حيث كان استخدامها شائعا في القرن العشرين على نطاق واسع في المنازل أو الحمامات العامة بأنحاء منطقة الشرق الأوسط.
لكن الطلب على القباقيب تراجع على مدى العقود الأخيرة لا سيما بعد ظهور نعال خفيفة بلاستيكية وانتشارها بالأسواق كبديل عن القباقيب، ونتيجة لذلك، قل عدد صانعي القباقيب في مصر والضفة الغربية وسوريا وغيرها، وأصبح الحرفيون الذين ما زالوا يعملون في مجال صنعها يناضلون لإبقاء مهنتهم على قيد الحياة.
وعلى الرغم من تراجع الطلب، فإن صانع القباقيب المصري نور عبد الرازق لم يتخل أبدا عن مهنته، ويدير عبد الرازق محلا في منطقة الخيامية بالقاهرة التاريخية باسم (قبقاب الشرق) ورثه عن أبيه.
ويوضح عبد الرازق أن الناس بدأوا يعودون مجددا لانتعال القباقيب، مشيرا إلى عدة أسباب تصب في صالح القبقاب التقليدي مقارنة مع النعال الخفيفة الحديثة.
وقال صانع القبقاب: "هو المفروض شهر رجب وشوال ورمضان، دول السيزون (الموسم) بتاعنا، التلات شهور دول الناس بتتقرب إلى ربنا بأي حاجة، يعني اللي بيجيب قباقيب، اللي بيجيب شباشب، والناس بدأت تلجأ للقبقاب تاني لأن الشبشب بيتسرق، أول حاجة، وبعدين تاني حاجة، المياه لما تتحوش فيها بتعمل رائحة كريهة في الشبشب، وبيعمل ريحة طبعًا في الرجل، الناس استقرت أخيرًا وجابوا القبقاب عشان ما يتسرقش وما يعملش ريحة في الرجل".
وأضاف عبد الرازق أن للقبقاب ثباتا قويا إضافة إلى أنه ناعم مثل النعال الحديثة الشائعة.
وأوضح أنه في حين أن النعال الحديثة يمكن أن تُسرق عندما يأخذها المصلون للمساجد، فإنه من المستبعد سرقة القباقيب الخشبية.
ونظرا للارتباط الرمزي للقبقاب بممارسة الشعائر الدينية، فإن مبيعاته ترتفع في شهر رمضان وشهري رجب وشعبان السابقين عليه بالتقويم الهجري.
ويشير عبد الرازق إلى أن القباقيب توحد المصريين ثقافيا لأن الناس جميعا كانوا ينتعلونها بغض النظر عن وضعهم في المجتمع.
ولفت صانع القباقيب إلى أنه في الماضي كانت هناك قباقيب تصمم خصيصا للنساء أيضا وتُزين بألوان وديكورات لتنال إعجابهن.
وتابع: "دي تعتبر دي القاهرة الفاطمية بتاعة زمان، وإحنا الشراقوة تعودنا على كده، ولا شبشب ولا بتاع، هو القبقاب اللي كان عام على كل الناس، من الغني للفقير للمليونير للفقير، كله كان بيلبس قبقاب أراهنك إن ما فيش حد من الخمسينات لحد دلوقتي ما لبس القبقاب، كله لبس القبقاب، دلوقتي عاملينه مهزلة، وشادية غنت له".
وقال رجل جاء لشراء قبقاب ويدعى صبحي المصري: "يعني أنا باستعمله في الوضوء، وزمان ده كان يعتبر الشبشب بتاع المصريين، يعني قبل ما يطلعوا الشباشب كان القبقاب ده زيه زي الشبشب زمان، الكلام ده كان في الخمسينات".
وعلى الرغم من تغير التوجهات إزاء القباقيب لا سيما بين الشباب المصري، فإن صوت خشب القبقاب وهو يرتطم بالأرض لا يزال كما هو، وفي بعض المساجد، إذا ظهر حشد كبير من الناس، فإن الصوت المتواتر القادم من قباقيبهم يمكن أن يتحول إلى صوت نقر فوضوي، قبل أن يصاب الصوت بالخرس عند بدء الصلاة.