الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كدبة أبريل


"أعياد العالم كلها مِن مصر"، هذا ما قاله أميل كوهين الكاتب الصحفي والمؤرخ المَعروف بكتاباته البحثية والتوثيقية للتاريخ والذي اشتهر باسم أميل لودفيج ، و توفي في أربعينيات القرن الماضي.

والرجل لم يهول في وصفِه لأنه شغوف ، ولَم يهون بالرغم من أنه ينتمي لعدو معروف!

مِصْر وُلِدَت عظيمة ، لم تَمْر بمراحل الظلام والجهل التي مرت بها حضارات العالم أجمع في المرحلة التي تسبِق الحضارة.

مِصْر وُلِدَت تبحَث عن إله، نقشت على الحجر تعاليم الدين جنبًا إلي جنب مع نظريات الطب يحيط بها أساسيات علوم الهندسةِ والفلك، تتخللها أسرار علوم الرياضةِ والفيزياء و تزينها تفاصيل الزواج والأسرة و يشهد علي صدق ما فيها أول دستور عرفته الإنسانية لحقوق البشر وكيفية التعامل مع الطير و الحجر ، وتقديم طقوس الولاء للدابة والبرية قبل البشرية كل ذلك رُسم بألوان الحَيَاة لمن يُقَدِّر ويُقدِس حكمة وجوده في تلك الحياة!

عَرِفت مِصْر خبايا الكون وأسرار الوجود وطُرِق الصمود ، وكانت أول حضارة في البشرية تضع أسلوبًا للمعيشة متوازن نفسيًا حفاظًا علي الإبداع ، وجسديًا حِرصًا علي الإنتاج ، وعقليًا رغبةً في تواصل النماء.

فها هو المصري القديم معطاءً نابغًا ، لم تفن يومًا جعبته من الابتكارات التي لديها القُدرة علي إبهار العالم إلي غدٍ بعيد !

لذا لم يَكُن غريبًا أن تكون إحدي عطايا مِصْر للدنيا هو مفهوم الأعياد !

بحسب قول عالم المصريات "فرانسيس أمين" بأن مِصْر القديمة كانت تحتفل (بألف عيد ) بعضها يحمل الطابع الديني والبعض الآخر يتميز بالمظاهر الدنيوية !

وبين الدين والدنيا تظل الحقيقة الثابتة التي لفتت أنظار متعطشي البحث في الحضارات ، من المؤرخين والرحالة مثل الشاعر الرومانى "أوفيد" الذى وصف المصريين القدماء بأنهم (أهل أعياد ) وأن المؤرخ اليونانى الشهير "هيرودوت " حرص على تسجيل تفاصيل الأعياد فى مصر الفرعونية والتى أحصت نقوش معبد هابو فى غرب الأقصر أسماء ٢٨٢منها!

شعب " فرفوش" في أصله هذا ما يمكن أن نصف به هذا الزخم في الأعياد التي قد يصل في اليوم الواحد أن يحتفل المصريون بثلاثةٍ منها دفعةٍ واحدة!

واختلفت الأعياد بين السنوية مثل عيد ظهور " نجم الشعري اليمانية " الذي يبشرهم بالفيضان، والأعياد الشهرية مثل عيد اكتمال القمر وظهور الهلال ، والأعياد الرسمية كعيد ميلاد الملك وعيد تتويجه، بالإضافة للأعياد الدينية الكثيرة و المتنوعة.

وَلَن تتغافل بالطبع تلك الحضارة العظيمة عن الاحتفال بمواكبِ النصر ولَم تتناسي الاحتفال بمن ذهبوا للقبر !

وضعَت مِصْر بصمتها الخاصة ، وأهدت العالم عيدًا مسبوغًا برحيق فَهمِها للحياة و رؤيتها للدنيا وهو عيد شم النسيم، بطقوسِه المبهجة وألوانِه المُشرقة وعاداتِه الطيبة وخيراتِه الكثيرة.

اهتم أجدادنا بالاحتفال بالعائدين الأوابين التائبين من الحج! حيث كانت أبيدوس عاصمة مِصْر الدينية ( تقع في محافظة سوهاج) محافظة للحج والتبرك حولَ مقبرة الإله أوزوريس !

كما اعتاد المصري القديم ابن النيل الأصيل أن يقيم الأفراح والليالي الملاح ، توددًا لشريانِ الحياةِ العظيم نهر النيل الكريم، استجداءً لفيضانه و عشمًا في خيراتِه.

"ما مِن عِلم إلا وأخذناه من المصريّين" هذا ما قاله الفيلسوف الأشهر أفلاطون، وما مِن عَمَل إلا ونقله العالم عنهم هَذَا ما نطقت به جُدران معابدهم الشاهدة علي حضاراتهم.

عرِف أجدادنا قيمة الجَد وكان لهم باع واسع في الكَد، ولأن الأشياء يقوي معناها بالتضاد ، لذا قَدَس أسلافنا الأعياد وكانت متنفسًا لهم لشكر النِعم و الوفاء للمِنح والاحتفاءِ بمرور المِحن والتأكيد علي لمِ الشمل والراحة بعد العناء.

الحضارة المصرية كانت بمثابة العيد للإنسانية ، فليس من الغريب أن تكون كل الأعياد في الأصل مصريّة! إلا عيد واحد ! فالمصريون براء منه ليوم الدين لأنه في الأصل عيد يتعارض مع مبادئ أي دين وهو عيد الكذب !الذي يوافق الأول من إبريل في كل عام ! قصصٌ كثيرة وراء أصل الاحتفال بهذا اليوم ولكن الهدف من الاحتفال واحد!

فمن فرنسا الذي نسب لها أنها أساس الاحتفال بعد تعديل التقويم علي يد غريغوري الثالث عشر فانتقلت الاحتفالات بأعياد رأس السنة من أواخر شهر مارس إلي الأيام الأخيرة في شهر ديسمبر ، فجاء الكذب في اليوم الأول من إبريل كسخرية مِن الناس الرافضين لأتباع التقويم الحديث وتمسكهم بالأحتفال طِبقًا للتقويم القديم!
مرورًا بإنجلترا التي استقبلت أو صَدرَت هذا الاحتفال (لم يجزم المؤرخون الأمر ) بحفاوةٍ شديدة، ووصولًا للهند التي تشير لها أصابع الانفراد بهذا العيد المشتق من عيد هولي أو عيد اللهو الكاذب عند بسطاء الهنود!

وهناك دلائل أخرى علي أن عيد الكذب كان يوافق نفس التاريخ في القرون الوسطي هو اليوم المخصص لإطلاق سراح المجانين ! بينما يقوم العقلاء بالصلاة شفاعةً لهم!

تفرق دم عيد الكَذِب بينَ الحضارات والدول المُخْتَلِفةِ إلا أسبانيا المحرم فيها الكذب في هذا اليوم لرمزيته الدينية، وألمانيا لأنه يوافق عيد ميلاد " بسمارك" الزعيم الألماني المعروف ، و مِصْر ذات اليد البيضاء من هذا العيد والبريئة براءة الذئب من دمِ ابن يعقوب التي لم تجد مبررًا لعدم الاحتفال به إلا قِيمها التي فُطرَت عليها حضارتها وتعاليمها التي سطرتها لتكون منبرًا للبشرية.

ومرَّت العقود وتوالت السنون وأصبح الكَذِب عِندَ السواد الأعظم من أحفادِ الفراعنة أسلوب حياة ونهج عمل وميثاق الوصول للهدف ، اللهم إلا من رَحِم ربي!

رفض أجدادنا أن يكون هناك يوم للاحتفال بالكذب، فطّورْنا ميراثهم الأخلاقي إلي أن يكون كل يوم هو دعوة للكذب والاحتفاء بالكذابين والتأكيد علي قيمة المنافقين ! فليته كان احتفال يوم ويمُر عوضًا عن الاحتفال المستمر الذي نشعر معه بالمُر!

لذا أيمكن أن نختار يومًا ونجعله عيدًا للصدق عسى أن يكون صدقة جارية في حياتنا يحصد ثمارها أبنائنا! وكما انتشرت عدوى الكذب في الأول من أبريل إلي الواحد والثلاثين من مارس وعلي مدي ٣٦٥ يوما دون انقطاع !

فربما ينتشر وباء الصدق من يوم الاحتفال به وإلى أبد الآبدين ،العشم في اللهِ الكريم.

كل عام ونحن طيبون وبالصدق معروفون و بيننا وبين الكذب والكذابين مسافات وسنون !
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-