رغم أنها بدأت كمدفن، فإنها أصبحت مع مرور الوقت أحد أروع الأماكن الأثرية في مصر، وهي صحراء المماليك بالقاهرة التي تمتلئ بكنوز أثرية تعد آيات في العمارة الإسلامية، ومنها مجموعة برقوق، التي لها قصة تحدث عنها محمد أحمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق.
وقال عبد اللطيف إن السلطان فرج بن برقوق ووالده هو السلطان برقوق مؤسس دولة المماليك الجراكسة هما أصحاب مسجد وخانقاه وضريح فرج بن برقوق بصحراء المماليك"803 – 813 هـ"/"1400 – 1410 م"، وقد تولى فرج أمر السلطنة وهو فى سن الثالثة عشرة من عمره عام 1390م.
وبدأت حياته فى السلطنة بحرب ضد المغول بقيادة تيمورلنك، فترك جيشه بالشام وهرب إلى مصر خوفًا على حياته الشخصية ورضخ لكل طلبات تيمورلنك، وبذلك فقد فرج مكانته فى نفوس المعاصرين له من الأمراء وعامة الشعب المصرى.
واضطر إلى الاختفاء لمدة شهرين عن مسرح الأحداث عام 1405م، وتولى خلالها أخوه المنصور عبد العزيز الحكم ولكن فرج عاد مرة أخرى وقبض على أخيه عبد العزيز وقتله، ولسوء خلق فرج بن برقوق وإدمانه الخمر وتنكيله بمماليك أبيه، فقد أفتى العلماء بوجوب قتله وثار الأمراء ضده بقيادة المؤيد شيخ،وأدى ذلك إلى قتل فرج بالشام ودفنه بدمشق سنة 1412م.
أما قصة بناء الخانقاه "التكية" والمسجد، فقال إنه عندما توفى السلطان برقوق لم يدفن بمدرسته التى أنشأها بشارع المعز، وإنما أوصى أن يدفن تحت أقدام المتصوفة والفقراء بالصحراء، وأوصى ابنه فرج بأن يبنى فوقهم تربة وقام فرج بتنفيذ وصية والده، وأنشأ تربة ومسجد ومدرسة وخانقاه، لكنه مات قبل أن يرى كل غايته ولكن بعد وفاته تم تخريب معظم ما قام ببنائه فرج بن برقوق، نظرًا لكراهيته من قبل الأمراء والشعب، وترك هذا البناء العظيم الضخم، الذى يدل على ما وصلت إليه الدولة المملوكية الجركسية من عظمة ورقة فى الذوق وبراعة فى تصميم المبانى.
ويتكون المسجد من صحن متوسط يحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة الذى يوجد به محراب الصلاة والمنبر الحجرى الذى به زخارف وتقاسيم هندسية تشبه ما كان يتم تصميمه على الخشب، كما يوجد بهذا الإيوان دكة المبلغ وهى من الخشب وكلًا من المنبر والدكة من عمل وإضافة السلطان قايتباى فى سنة 1483م.
ويتميز هذا المسجد بالتناظر والإزدواجية، حيث أن الواجهة الغربية فى أقصى طرفها الأيمن سبيل وكتاب وبه المدخل الرئيسى، وأقصى طرفها الأيسر سبيل وكتاب أيضًا، وبجوار كل كتلة من هذه الكتل توجد مئذنة عظيمة ورشيقة فى التصميم والبناء.
ومن داخل المسجد يوجد على يمين إيوان القبلة قبة خصصت لدفن السيدات ودفن بها خوندشقرا ابنه السلطان فرج بن برقوق وكذلك زوجة الظاهر برقوق، كما يوجد على يسار إيوان القبلة قبة أخرى خصصت لدفن الرجال، ودفن بها الملك الظاهر برقوق تنفيذًا لوصيته، وكذلك دفن بها أولاده ومنهم المنصور عبد العزيز.
أما صاحب المنشأة فرج بن برقوق، فلم يدفن بها فقد سبق الذكر أنه قتل بالشام ودفن بدمشق،ونلاحظ أنه يوجد قبة ثالثة فوق إيوان القبلة وتقع بالتحديد فوق المحراب مباشرة، وهى أصغر حجمًا من القبتين المجاورتين لها.