إن تكوين الأمم والأفراد والمجتمعات مبنى على الإختلاف فى الشكل والمضمون الإجتماعى والسياسى والأطر العامة للمعاملات والحياة , والأساس فى هذا العالم الدنيوى نشر الخير ومحاربة الشر , وإختلاف المجتمعات والأفراد لم يكن سببا فى يوم من الأيام منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها فى تأييد العدوانية ,
فالكل مهما إختلف طبعه وشكله ورسمه يعمل فى النهاية لخدمة البشرية والمجتمع , الذى يحيا فيه الجميع بإنسانية, دون عدوانية ودون همجية ودون شر , حيث الفطرة البشرية القائمة على نشر الخير بكل جوانبه, فالجميع إتفق على أن الإختلاف لا يمكن أن يكون سببا فى يوم من الأيام لخلاف وقتال .
فالأمم تكونت حينما إمتزجت شعوب وقبائل ومجتمعات برغم إختلاف طبائعهم , وحينما تكونت كل أمة على حدة كونت الأمم المختلفة بإمتداد الأرض ومنذ النشأة الأولى للإنسان , وبالتالى فالسياق التاريخى لتكوين الأمم وطبائعم , كان مبنيا على التفاهم فى القضايا المتعلقة بشئونهم , والإختلاف كان سببا للتقدم من خلال الصراع الشريف على إثبات الذات من ناحية , ودفاع كل فرد فى كل أمة عن المجتمع الذى يعيش فيه.
ومن هنا نخلص أن الإختلاف فى الرؤى السياسية صحى للغاية , لأنه يُنشىء دوافع للنجاح ودوافع للتقدم , ودوافع لإثبات الذات حيث يتكون المجتمع السليم القوى , الذى يمتلك المهارات التى تؤهله للريادة والتقدم .
أما الخلاف الدائر بين المجتمعات كان سببا فى تراجع الكثير من الأمم وجعلها فى نهاية الصف , لأن المجتمع القائم على الخلاف والقتال المستمر والحرب الغير مبررة لن يكون له أى مكان فى عالم التقدم والريادة , بل سيعيش فى همجية لن تصل به إلا الى الفشل , والخلاف أحد أسباب نشأة العناد السلبى الذى يهدم ولا يبنى , ويعيش على أطلال الماضى إن كان لديه ماضى .
كما أن الخلاف الدائر بين الأفراد فى عالم السياسة لن يفيد على المستوى الشخصى أو المستوى العام , فخلاف الأشخاص فى عالم السياسة ينشأ أفكار مذبذبة وعقولا متحجرة وقلوبا لا تلين وضمائر نائمة فى سبات طويل لا تفيق منه أبدا , لذلك أدعو كل من يعمل أو يرتبط بعالم السياسة والعمل العام والإجتماعى أن يبتعد عن الإختلاف الذى يصل بصاحبه الى خلاف مع من حوله , وأن يرتضى الأقلية برأى الأغلبية وحجتهم وقراراتهم , وان تقف الحرب الدائرة بين الأشخاص المختلفين فى وجهات النظر , حيث القاعدة العامة التى تعلمناها منذ نعومة أظافرنا , أن الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية .
يا سادة ... إن بناء المجتمعات يحتاج إلى أفكار عظيمة يتبناها أصحاب النفوس السليمة , وبناء المجتمعات لن يأتى إلا بالعمل واللحاق بركاب التطور من خلال تنفيذ الأفكار العملية الإيجابية على أرض الواقع , فالصوت العالى والتخوين والتطرف لم يبنوا يوما بل كانوا سببا عظيما فى هدم كل الأشياء الجميلة.