كانت أشعاره صورا حية ودقيقة للحرب العالمية الأولى، حيث كان يعد من أفضل الشعراء الذين وصفوا آلام الحرب وفظائعها وما فيها من صور الخنادق والغازات التي كانت تستخدم فيه، إنه الشاعر الكبير ويلفريد إدوارد سولتر أوين، الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده اليوم، والذي تأثر بشكل كبير بالشاعر جون كيتس وغيرهم من الشعراء الرومانسيين، كما كان لصديقه العزيز سيجفريد ساسون أثر عميق على شعره.
مزج "أوين" بين الشعر الرومانسي والواقعي لينتج في شعره مزجا فعالا وعاطفيا، كما كان ذلك واضحا في عبارته الشهيرة "لوعة الحرب" أو "أسى الحرب"، حتى عده الكثيرون أفضل من صديقه ساسون على مستوى القصيدة، بالرغم من الأثر العظيم الذي تركه على أوين ونشره لشعره أثناء حياته وبعد موته ومراجعته لأشعاره قبل إتمامها.
ولد "ويلفريد أوين"، في منطقة بلاس ويلموت قرب شروبشير في 18 مارس 1893 من أصول إنجليزية وويلزية، وكان والداه في ذلك الحين يقطنان منزلًا جيدًا يملكه جده، إلا أنهما انتقلا بعد وفاته عام 1897 للعيش في إحدى الشقق الصغيرة في شوارع بيركينهيد.
اكتشف الشاب اليافع ميوله نحو الشعر وكتابته في عام 1903 أو 1904 خلال إجازة أمضاها في منطقة تشيشر، وقد كان عميق الالتزام بالمسيحية منذ نعومة أظفاره حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة دينية، وعمق هذا الالتزام علاقته الوطيدة التي كانت تربطه مع أمه، وقد تأثر بالعديد من الشعراء من المدرسة الرومانسية وبالأخص جون كيتس كما تأثر بالعديد من الكتابات التي سادت في وقته إلا أن أبرز الكتب التي تركت أثرًا عميقًا عليه كان الإنجيل.
وبعد أن أنهى أوين دراسته في المدرسة قرر الالتحاق بجامعة لندن، فتقدم لاختبار القبول إلا أنه لم يحقق الدرجة التي تؤهله للحصول على منحة للدراسة فيها حيث تراجع تحصيله العلمي لتأثره الكبير بوفاة خاله إدجار هيلتون في حادثة أثناء رحلة صيد، وقد كانت تلك المنحة السبيل الوحيد للدارسة في تلك الجامعة نظرًا للوضع المادي الصعب الذي تعيشه أسرته.
عمل "أوين" مساعدًا لأحد الأباء وهو هيربرت فيجان في كنيسة دونسدين قرب ريدنج مقابل سكن وبعض المساعدة في التعليم للتأهل لامتحان القبول في جامعة ريدينج، حيث تمكن من الالتحاق بها لدراسة علم النبات، كما كان يحضر بناء على طلب رئيس قسم اللغة الإنجليزية في ذلك الحين محاضرات في اللغة الإنجليزية القديمة.
وقد كانت آراءه قد بدأت تتغير عن الكنيسة أثناء إقامته في دونسدين بسبب ما رآه من تقاعس عن خدمة المحتاجين، وعمل أوين قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى مدرسًا للغة الإنجليزية والفرنسية في معهد بيرلتز للغات في فرنسا، والتقى هنالك بالشاعر الفرنسي لورنت تاليد، وكانت بينها مراسلات عديدة بعد ذلك باللغة الفرنسية.
التحق ويلفريد بالخدمة العسكرية في 1915 حيث خضع للتدريب لمدة 7 أشهر في منطقة إسكس، وقد كان متفائلًا ومرتاحًا لأمر الحرب في بداية الأمر إلا إنه سرعان ما عدل عن ذلك وتغيرت فكرته عن الحرب بشكل كامل.
تعرض "أوين" أثناء الخدمة لحادثتين، إحداهما كانت نتيجة قصف بالمدافع لإحدى الخنادق التي كان متحصنًا فيها، والأخرى عندما علق أيامًا في إحدى الحفر التي كان قد حفرها الألمان، وقد عانى حالة نفسية اضطرته للذهاب إلى إحدى المستشفيات العسكرية في إدنبرة لتلقي العلاج.
وأثناء مكوثه في ذلك المستشفى، التقى ويلفريد بزميله الشاعر سيجفريد ساسون وكان ذلك اللقاء جديرًا بإحداث تحول كبير في حياة أوين، عاد بعدها إلى الخدمة العسكرية بعد فترة من النقاهة في اسكتلندا، وعمل مدرسًا في مدرسة تاينكاسل، وفي 1918 تم إرساله للفرقة الشمالية في منطقة ريبون، حيث نظم هنالك عددًا من القصائد.
وقاد أوين مجموعة من الوحدات للهجوم على عدد من النقاط التي يتجمع فيها العدو قرب قرية جونكورت، وقبل أسبوع من نهاية الحرب وحيث كان أوين في إحدى المهمات جاءه رصاصة أصبت مقتلًا منه في رأسه ووقع ميتًا، لقد وصلت أخبار مقتل أوين إلى أمه، وتم فيه إعلان انتهاء الحرب.
وقد تم منحه وسام الصليب العسكري وهو تكريم لطالما تمنى أن يحصل عليه ليكون شاعر الحرب مع أنه تم الإعلان عن هذا التكريم في عام 1919.