صفية زغلول.. بنت الباشوات وزوجة ابن الفلاحين.. أم المصريين

" إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدًا ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أمًا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية".
بهذه الكلمات ألقت السكرتيرة الخاصة بيان صفية زغلول حرم سعد باشا زغلول، بعد اعتقاله ونفيه إلى جزيرة سيشل بسبب قيام ثورة 1919، فما كان من أحد المتظاهرين إلا أن هتف قائلًا :" أم المصريين"، ومنذ ذلك الحين أصبح تكنى بهذا الاسم.
100 عام مرت على ثورة 1919، تاريخ لم ينسه المصريون، وتناقله الأجيال، مرورًا بالزعيم سعد زغلول وكفاحه المرير، وزوجته صفية مصطفى فهمي، التي حملت لواء الثورة من بعده.
هي مناضلة وسياسية كبيرة، وهبت حياتها للدفاع عن قضايا المرأة والوطن، ورغم نشأتها في بيت حليف للاحتلال الإنجليزي، ومولاة والدها مصطفى فهمي باشا لاحتلال، إلا أنها كانت لسان ثورة 1919 بعد اعتقال زوجها، وحائط الصد في الدفاع عن المرأة المصرية وحقها في المشاركة السياسية، كان لدورها وكفاحها هذا سببًا في الاحتفال بيوم 16 مارس من كل عام عيدًا للمرأة المصرية.
ولدت صفية زغلول عام 1878 لعائلة ذات أرستقراطية أصول تركية، وبالرغم من النظرة الطبقية التي كانت تنظرها تلك الطبقة إلى عموم الشعب المصري، فإن صفية كانت تخالف عائلتها في ذلك، فقد أولت اهتمامًا كبيرًا بالشعب المصري، وكان زواجها بسعد زغلول "ابن الفلاحين" أكبر دليل على عدم تأثرها بالأفكار الطبقية.
لعبت صفية زغلول دورًا كبيرًا في مكافحة الاحتلال الانجليزي، خاصة بعد اعتقاال الزعيم سعد باشا زغلول، فوهبت حياتها للنضال من أجل استعادة الشعب لحقوقه، ودأبت في تحميس الشعب وإلهاب روح الثورة بداخله ضد الاستعمار، فكانت بيانات الثورة تصدر باسمها، وعدلت عن موقفها بمرافقة سعد زغلول في منفاه، إذ رأت أن واجبها تجاه وطنها أهم بكثير من واجبها تجاه زوجها.
فانطلقت تقود المسيرات النسائية في الميادين العامة، وتهتف باسم المصريين، وحين تولى الزعيم سعد زغلول رئاسة الوزراة 1924، وانهالت عليه الوفود للمباركة، كان لصفية زغلول رأي آخر، فقالت في شدة وحسم " يجب أن تقدموا لي العزاء وليس التهنئة، إن سعد زغلول هو زعيم الأمة وهو الآن في مكان أقل بكثير، فما قيمة رئاسة الحكومة مقابل زعامة الأمة؟" وعندما استقال سعد زغلول"من رئاسة الوزارة استقبلته صفية زغلول مبتهجة قائلة، "هذا أسعد يوم في حياتي، مهمتنا الكفاح وليست تولي المناصب".
ظلت حياة أم المصريين على هذا الشكل، حتى جاءت وفاة سعد باشا زغلول عام 1927، فأكملت نشاطها السياسي، ولم ترضح لإنذارات التوقف عن ممارسة العمل السياسي، إلى أن وافتها المنية عام 1946، وكتبت قبل وفاتها بأيام توصي بتركتها إلى خدمها ووصيفتها.