الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معرض الْكِتَاب


وشعرتُ بغصةٍ في حلقي!! وذبلَت الإبتسامة على شفتي!! وتملك الْحُزْن من عيني!! والله شاهِد على صدقِ ما قُلت وعلى ثِقَلِ ما رأيت!!

تبدأ الحكاية مُنذ شهورٍ عديدة عندما قررت الدولة نقلَ معرضِ الْكِتَاب في يوبيلِه الذهبي، إلى مركزِ مِصر للمؤتمرات والمعارض الدولية، بالتجمع الخامس بجوار مسجد المشير، جاء هذا القرار ككل القرارت الشجاعة التي تأخُذها الدولة بترحابٍ هادئ "ومصمصة" شفاه صاخبة! ولكن لأن صوت العقل دائمًا يعلو فوق صوت التنظير فكان مِمَّا لا شك فيه أن هذا قرارٌ حكيم.

معرض الكتاب الذي جاءت فكرة إنشائه في عام ١٩٦٩ على يد وزير الثقافة آنذاك "ثروت عكاشة" في إطار احتفال القاهرة بألفيتها الأولى، فأراد ترسيخ فكرةِ الاحتفالِ بصبغةٍ ثقافية، كفرضِ عين على مدينة بحجم القاهرة تنتمي لدولة بثقَلِ مِصْر.

وقد كان أن عهدَ إلى الكاتبة والباحثة "سهير القلماوي" بتنفيذِ الفكرة، التي تحولت إلى حقيقة، فاقت أجنحة الخيال وأستطاع المعرض أن يكون المعرض الأكبر للكتاب في الشرق الأوسط وفي العالم العربي، وتجاوز الحدود الإقليمية في عام ٢٠٠٦ وأصبح المعرض الثاني دوليًا بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

كل من زار معرض الْكِتَاب في مقرهِ السابق في أرضِ المعارض بطريق صلاح سالم، يعلم علم اليقين مدى السلبيات التي شابت من صميم نجاح المعرض في دوراتِه الأخيرة، من حيث تهالك المكان بشكلٍ عام وعدم استعداده لوجيستيًا للأمطار، حيث كانت دور عرض الكتب من الخيام!

ولنرجع قليلًا بالذاكرة ونستدعي الخسائر التي تكبدها أصحاب دور النشر لغرقِ الكتب بسبب مياه الأمطار في الدورات السابقة بشكلٍ عام، وفِي الدورةِ الأخيرة على وجهِ الخصوص!

لم يَكُن المعرض السابق به أي استعدادات تُناسب كبار السِن أو ذَوَي الهمم، وحتى أضعف الإيمان دورات مياه مناسبة، بالإضافة للربكةِ المرورية التي تصيب شرايين قلب شارع صلاح سالم، وكثيرًا ما كانت تؤدي إلى الشلل التام في العديد من الأوردة المحيطةِ به، فيصابُ قلب القاهرة بجلطةٍ مرورية، تعصفُ بوقتِ صاحب الحظ السعيد! الذي ألقت به الظروف في مطرقةِ الزحام الفوق المألوف!

لذا كانت الحتمية بنقل المعرض في اللحظةِ الآنية!

فرحتُ كثيرًا لهذا القرار، وتعجبتُ كثيرًا من معارضيه، وتضاعفت فرحتي عندما زُرت مركز مِصْر للمؤتمرات قَبْلَ إقامة معرض الكتاب في مناسباتٍ مُختلفة، لم يَكُن الحضور فيها بمثل كثافة معرض الكتاب وعادةً ما كان الحضور بدعواتٍ مُحددة!

مركز مِصر للمؤتمرات الدولية صرح يجب أن نفخر به جميعًا، يتشابه إلى حد كبير مع قاعة المؤتمرات التي تستضيف منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، شيدته القوات المسلحة المصرية منذ عامين لدعم مقومات التنمية الشاملة على أرض مصر، لتقدِم للمصريين أحد الصروح الحضارية اللائقة بمكانة مصر وإضافة قوية لقدرات مِصر في إقامةِ وتنظيمِ كبرى المعارض والفعاليات العالمية.

خير كثير يَحْدُث على أرضِ مِصْر، ونِعَم عديدة يمكن أن ننعمَ بها نَحْن المِصريون، فهل "قدّرنا" تلك النعمة؟

قولًا واحدًا بِنَاءً على ما شاهدته من داخِل أروقةِ معرض الكتاب، لم نصون النعمة!

انقبضَ قلبي من بوابة الدخول وأنا أقف وسط أنقاض القمامة وزجاجات المياه الفارغة وأعقاب السجائر المحترقة وقشر اللب ولقيمات العيش والتذاكر المُستعملة! هذا بالإضافة للبلاط المخلوع من الأرض والذي سيتذلل لربِ السماوات أن تنتقِم من الفاعِل يوم العَرض!

مهملات وفضلات ننتقد بصددِها روادِ حديقةِ الحيوان، فإذا بها تُزهِر وتترعرع في قلبِ ساحة تُعبِر عن فِكْرِ الإنسان!

لا مَنطِق فيما رأيته مِن تعاملِ رواد المعرض بإهمالٍ واضح مع دوراتِ المياه بالرغم من جهودِ عمال النظافة، ولا مُبرِر لقوةِ القلب في إلقاء المُخلفات وكأنهم ينثرون ورودِ الحضارة لا يضعون جلمودًا من القذارة!

أعوامًا طويلة وحُجة آكلي هناءِ الناس ومغتصبي حقوق الطريق في شوارعٍ نظيفة من ذَوِي الأيادي الطويلة التي أنَّ مِن إهمالِها البشرِ والحَجْر، إصرارهم على قبيحِ أفعالهم من إلقاءِ المهملات لأن الشارِع به قمامة في كل الأحوال! وكأن تلكَ المخلفات رُصِفَت مع "الزفت" عندَ تمهيدِ الطريق! فما القرينة التي أغتلتُم بها الأخضر واليابس في جنباتِ المعرَض وهل شعرتُم بنفسٍ قريرة وأنتم تعبثون بقاعاتِ العرض المخصصة للندواتِ والفعالياتِ الأدبية والفنية ولَم تنج من بين أيديكم؟

ذهبتُ إلى المعرض في الأيامِ الأخيرةِ له، وطرَقت أبوابه في الساعاتِ الليليةِ فيه، ولذا كان ما رأيت هو الحصيلة التراكمية لما قاساه من روادِه!

تتعالى أصواتُنا ليلًا ونهارًا بالاحتذاءِ بدول الْعَالَم الأول وبالحضارات الغربية بل وبعض الدول العربية، نتشدق بالنظافة ونشكو قلة بختنا بسبب أكوام القمامة ونبحث عن الخبراء ونُطالب بالخبرات لننعم بشوارع تليق بِنَا، لكن عُذرًا أيها الشاكي فحال الشارع ما هو إلا مرآة لأفعالِنا وإذا أردت الحقيقة فهو متماشٍ مع قَدْر أخلاقنا!

فإذا كنّا شعبا متدينا بطبعه! فلنتذكر أن النظافة دَرْب من الإيمان، ولنستدعي المثل المصري الخالص بأن بيت المهمل "يخرَب" قبل بيت الظالم!

اجتاح أروقة معرض الكتاب نسبة ليست بقليلة من المصريين أسقطوا ورقة التوت عن عورة التربية والثقافة والتفكير، كشفوا عوارًا واضحًا في شعبٍ يسعى للتغيير، يطالب به الدولة التي فيما يبدو أنها تسعى له مُنفردة دُونَ وجود لشعب يفهم حدود حريته، ويُقدِر إنجازات دولته، وينسى "أخلاق الأتوبيسات" فزمَن شَقِ جِلدِ الكراسي ذهَب إلى المكان الذي يليق بالمعاصِي، فنحنُ في عصرِ ما بعد الثورات ومن الخطيئة تكرار أخطاء الماضي.

فلنحاسِب أنفسنا كما نجلِد الآخرين، فلنثر على داخلنا قبل أن نصُب غضبنا على المحيطين، فلنتحلى بالعدالة الإنسانية قبل أن نتمتم بالعدالة الاجتماعية، لن نخطو خطوة للأمام ونحنُ بحاجة لمن يُلمْلِم آثارنا في الخلف!

ولن نُدرك مصاف دول العالم الأول وبداخلنا إنسان الغاب الأول!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-