اتهمت بعد نشر المقال السابق والذى كان تحت عنوان "لماذا تشغل بالك بالسياسة؟!!" , بالحُلم والخيال وأننى أعيش بعيدا عن الواقعية فى عالم افتراضى تغلفه الرومانسية والنبل وإطلاق العنان للخيال أكثر من اللازم, واتهمنى فريق آخر بالديكتاتورية فى الرأى والتعبير , وكلا الطرفين أقبل التهم منهما ولا أدافع عن نفسى بقدر ما أدافع عن الفكرة المرتبطة بالتعبير عن الرأى فى عالم السياسة , والافتراض الواقع من الخطاب السياسى الحقيقى الذى يؤتى ثماره الطبيعية غير المهجنة بهجين السموم .
فالخطاب السياسى فى مصر وخاصة بالتحديد من القوى السياسية التى تضع نفسها فى "كفة" المعارضة , ما هو إلا سٌم تضعه هذه القوى من أجل إيقاف مسيرة التنمية والبناء , ومن أجل إيقاف عجلة الزمن التى تسير بسرعة غير معقولة وغير متوقعة الى الأمام , وكأن هؤلاء البشر يصعب عليهم أن يروا مصر فى أحسن حال , ليقوموا بدور المأجورين مع أنهم لم يتقاضوا عن آرائهم مليما , ولكنهم أصحاب أفكار شيطانية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة سوى أنها تضع أصحابها على الخريطة دون أن يقدموا أو يتقدموا , فلن يتقدم هؤلاء لأنهم مكشوفون للعالم كله , بكشف درايتهم الحقيقية بعالم السياسة , فلن يقدموا شيئا لأنهم فى الأساس لا يملكون فى جعبتهم ما يقدمونه سوى سم يدسونه مرة فى العسل ومرة فى الهواء .
وللتأكيد على كلامى السابق , أنا لا أخون هؤلاء بقدر ما أتهمهم بالغباء , لأنهم لو امتلكوا زمام الأمور جيدا لأوضحوا حجم التقدم الذى لا يريدون إظهاره للعامة , ولا يريدون أن يعترفوا به من باب رد الجميل أو التكاتف لاستكمال البناء الذى تسير نحوه هذه الدولة الأبية , التى عانت على مدار العصور , وكأنهم تعودوا على وضع اقتصادى أو سياسى أو اجتماعى معين لا يريدون أن تتزحزح عنه مصر , كما لا يريدون لأنفسهم أن يتزحزحوا عن أفكارهم القديمة البالية والتى عف عليها الزمن وأصبحت لا قيمة لها فى عالم السياسة , ثم ما يلبثون قليلا ليعلنوا أن التقدم الذى تسير نحوه مصر لم يكن بحجم المتوقع , مع أنهم لم يشاركوا فى خطوة واحدة نحو البناء وكأنهم يسعون للكلام المزخرف دون فعل حقيقى يؤيد منطقهم على أرض الواقع , وبالتالى فالغباء السياسى حينما يصر عليه صاحبه يصبح أشد من الخيانة , مع أنى لا أقصد التخوين ولكن أقصد أن العقوبة يجب أن تصل الى حجم أفعالهم الشيطانية , وإلا فليصمتوا لأنهم لا يعلمون ولا يمتلكون المقومات الحقيقية للكلام الذى يحافظ على دولة بحجم وعراقة مصر, فى الداخل والخارج , فيجعل منطقه الخطأ مدخلا للطامعين وأصحاب النفوس المريضة التى تريد لمصر الخراب والدمار , لذلك أظن أن هؤلاء أشد خطرا وفتكا من الذين يحاربون بوضوح معلن , لأن العدو المعلن خير من العدو الخفى أو العدو المتخفى وراء ستار الشرف والكرامة والعناوين الكبيرة للمصطلحات الضخمة.
ولهذا أدعو الجميع بالابتعاد فى السياسة عن النظرية الميكافلية , ونظرية السوفسطائيين , والابتعاد عن الجهل بالعلم , ومساعدة القائمين على البناء فى استكمال المسيرة , وعدم ركوب الموجة التى يركبها البعض بجهل تجعله يغرق قبل منتصف الطريق , وأكرر دعوتى للذين لا يريدون من عالم السياسة شيئا سوى العمل المستمر والبناء الحقيقى , والاقتراب من الحياة الشخصية لأنفسهم لبناء مجتمعاتهم الصغيرة فينجو المجتمع الكبير , كما أدعو لعدم الدخول فى تفاصيل يجهلها البعض ويكررها آخرون دون وعى , فالوعى يبدأ من الدراسة والعلم لا الجهل , والعمل لا التكاسل , والبناء لا الهدم , والدعم لا الإحباط , والابتكار لا التقليد , فالتقليد عن جهل فى عالم السياسة يستوجب المحاسبة , ولهذا أكرر دعوتى بأن يقف كل فى مكانه وموقعه حسب أدائه ولا يتدخل فى عالم بين صوابه وخطأه شعرة .