دومًا كنت شغوفا بتلك الحاشية التي تحيط بالرئيس, آراها من زاوية تتيح لي معرفة تفاصيلها بدقة أكثر, بدأ شغفي بتلك التي كانت تحيط بأحد وزراء التموين, وكنت مقربًا منه بعض الشيء؛ بما أتاح لي فرصة سخية لأرى وأتابع مفردات تقديم الولاء من تلك الحاشية, وكنا قد اعتدنا التلاقي أنا وهو مساء يوم الثلاثاء من كل اسبوع في مكتبه, في الساعة السادسة يكون اللقاء, وفي تمام السادسة و النصف يدخل أحدهم حاملًا صينية عليها بعض الحلوى, وهو ينحني حتى ظننت أنه يركع, وعندما كان يقترب مني كنت أهب واقفًا رافضًا بأدب ما يفعله, لم يكن من ضمن سعاة المكتب؛ لكنه كان من ضمن الساعين لشيء آخر كما أخبرني صديقي الوزير فيما بعد, عقب استفساري عما يفعله ذلك الموظف, كان حضرته يرغب في أن يكون أحد أهم مصادر الوزير في نقل الأخبار, و يرغب أن يتولي سكرتيره الشخصي, لذلك كان يُقدم فروض الطاعة بامتهان أكثر لشخصيته.
وذات يوم كان ذلك الوزير ضيفي في البرنامج الذي كنت أُعده على شاشة قناة "العربية" ورأيت العجب, أكثر من ثمانية رجال من رجال الوزارة يتقدمهم ذلك الموظف يُفسح الطريق لمعالي الوزير حتي باب الاستوديو بنفس الانحناءة, حاملًا معه طبق حلوى, ليتناول منه جناب الوزير, ومنهم من يحمل كيس المناديل لمعاليه, ومنهم من يحاول تنسيق رباط عنقه, ومن خلال صداقتي لبعض الوزارء رأيت الكثير من هذه الحاشية الأفاقة.
لم يكن الأمر قاصرًا فقط على تقَّرب الرجال من الوزراء, بل امتدت أيضًا للسيدات,وألاعيبهن للتقرب لمعالي الوزير فيها جرأة أكثر من اللازم, ويمنعني احترامي للقارئ أن أخوض في تفاصيلها أو الإشارة إليها, وأذكر أن أحد الوزراء حين خرج من عِنده أحد معاونيه بعد أن أمطره بوابل من المديح قال لي الوزير لا تفرح بهذا الهراء, فهذا المسئول يكرهني كرهه للعمى, وحدث أن كنت مع أحد الوزراء في مكتبه وذُهلت حينما دخل علينا أحد معاونيه الكبار أيضًا حاملًا حقيبة بها كوتشيات لأولاد الوزير, و أكد له أنها نفس المقاسات التي أخذها من مدام سيادة الوزير, وتصادف أن جلست معه عقب خروج الوزير من الوزارة وسمعت منه ذمًا في الوزير تصاعدت رائحته من فمه, وتصاعد شغفي بالمحيطين حتي بدأت في متابعة رجال الرئيس.
كنت أعرف بعض الشيء عن المقربين من الرئيس مبارك, وكان الدكتور "زكريا عزمي" حائط صد لمن يقترب أكثر وأكثر, ولكن زاد ولعي برجال الرئيس "عبد الفتاح السيسي" منذ خطاباته الأولى عقب الثورة, والتي أكد فيها أن كل من شارك في الثورة أدى دوره, و يجب أن يستريح ويعطي الفرصة لمن هو رجل المرحلة, كان مستشارو الرئيس في الحملة الانتخابية بعضهم يظن أنهم سيتولون إحدى الوزارات نتيجة جهدهم في حملة الرئيس, ومنهم الدكتور: ح . ع الذي انضم للحملة, وعقب ما تأكد من استبعاده في التشكيلات الوزارية انقلب علي الرئيس, وجلس في مقاعد المعارضة برغم أنه من قبل حكم الرئيس "السيسي" كان قد تم ترشيحه لمنصب وزير الاتصالات, وقبل حلفه اليمين استضفته في برنامج "٩٠ دقيقة" علي قناة "المحور" -الذي كنت أُعده- وكان يقدمه الإعلامي البارع "محمود الورواري", يومها كشفنا علاقة شركاته بالتعامل مع شركة إسرائيلية في مجال الاتصالات, وصبيحة اليوم التالي كان استبعاده من الترشيح للمنصب.
أذكر انني تابعت حوار الرئيس مع مستشاري حملته وقال لهم بالحرف:"لا أحد ينتظر منصبا مقابل عمله هنا, فلكل مرحلة ظروفها ومن أدى عمله عليه أن يُسلم ما بعده الراية ليؤدي ما يكلف به", زادت قناعتي بأن الرئيس يختار رجاله بعناية, وتأكدت من ذلك حينما تابعت الرجال المحيطين بالرئيس، فالرئيس إذًا ينتقي رجاله بعناية, وهي سِمة تُميزه, ويروق لي تفَّحص الأسماء التي تعمل معه عن قُرب, ولا شك هي أسماء تتسم بالوطنية, غير أن البعض يظن أنه يُمكن أن يصنع للرئيس رجالًا و يتناسون أنه رجل مخابرات من الطراز الأول؛ يسعي لصناعة وصياغة مفردات رجاله, الرئيس حينما لجأ إلي رجال الأعمال ليشاركوا في مشروعات التنمية -كان اجتماعه الهام بهم فرصة ليعرف من هم- البعض سارع بتقديم الخدمات, والبعض تبرع لتحيا مصر وكأنه يُزكي عن ماله, غير أن الرئيس حينما أعلن من مشروعه الهام إعادة توسعه قناة السويس لم يجد غير أبناء الشعب فلجأ إليهم.
الشعب الذي حينما أراد الرئيس أن يستند لم يجد أفضل منه قبل إجراء التغيرات التي شكلت من تاريخ مصر تاريخًا جديدًا وعصرًا لنهضة قادمة, كان نداء الرئيس للشعب بالخروج لتفويضه في التصدي لقوى الشر أمرًا له أكثر منه رجاء, لذا خرج الشعب يُؤيد ذلك الرجل الذي قدم روحه متحديًا قوى الشر المتمثلة في حكم الإخوان, و خرجت جموع الشعب لتعطي للرئيس صك المحبة والتأييد, ولم يكن هناك شك أن من خرج من أبناء الشعب هم هؤلاء الذين يعتبرونه السند الرئيسي لأي رئيس.
لم يتردد رجال الرئيس الحقيقيون في تلبية النداء, حينما احتاج الرئيس لوقفة رجاله معه في إنشاء التوسعات الجديدة لقناة السويس, ففي أسبوع واحد كان رجال الرئيس الحقيقيون من أبناء الشعب يسارعون للبنوك لوضع أموالهم تحت إمرة الرئيس وتلبية لندائه, وتم في أسبوع تجميع حوالي ٦٤ مليار جنيه, تم وضعها في البنوك؛ لتنفيذ مشروعات التوسع في قناة السويس, مع العلم بأنني علي يقين أن عددا قليلا يُعد على أصابع اليد من رجال المال والأعمال في مصر يمكنهم أن يقوموا بنفس الفعل, و يجمعوا أكثر وأكثر؛ لكن الرئيس لم يلجأ إلا لرجاله الذين يثق بهم.
وهناك المتغيرات الدولية في الاقتصاد التي تؤدي لكثير من التعرجات أحيانًا علي متوسطي الدخل, فارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة لا يتحمله سوي رجال الرئيس, الذي دومًا ما يناشدهم التحمل لبناء بنية تحية, وإطلاق مشاريع النهضة الحديثة التي بلغت حتي الآن حوالي ثمانية آلاف مشروع, تفتح أفاق النهضة من جديد لعصر الازدهار القادم, ويتحمل المواطن البسيط الذي يعتبر الرئيس أنه السند في التحدي الذي تواجهه مصر الكثير والكثير.
يصح حقًا أن نُطلق علي هؤلاء البسطاء أنهم رجال الرئيس, السند والقوة, غير أنني ألاحظ منذ شهور محاولات خسيسة من البعض تحاول أن تصنع للرئيس رجالًا ممن هم من ذوي السمعة السيئة, فتصدير فكرة تجميع قوي سياسية تنخرط في حزب بعينه لتكون السند للرئيس هي فكرة مشبوهة, مثل تلك العناصر التي تمثل ذلك الحزب الذي انبري على السطح السياسي, محاولًا -ومن صنعوه- تصدير فكرة أن ذلك الحزب هو حزب الرئيس.
الرئيس ليس له حزب, الرئيس ليس له عناصر من ذوي السمعة السيئة تمثله, الرئيس ليس له رجال ممن كانوا ضمن فساد العصور السابقة, ومن أرباب السجون, واصحاب السوابق, ومدمني سرقة قوت الشعب, الرئيس ليس له حزب يستند عليه؛ لأنه لا يحتاج لتلك الأسماء التي بعضها مشبوه, لدرجة تُزًّكم الأنوف, الرئيس لا يحتاج لرجال آخرين, فرجال الرئيس هم هؤلاء الذين خرجوا له وساندوه في كل موقف يطلب منهم, رجال الرئيس هم أبناء تلك الطبقة التي تعاني بعض الشيء لإعلاء شأن مصر, رجال الرئيس هم هؤلاء الذين يفقدون حياتهم ويقدمون أرواحهم فداءً لمصر, و تلبيةً لنداء الرئيس بمواجهة الإرهاب, رجال الرئيس هم ليسوا هؤلاء الذين يتنعمون في رغد الحياة, وغيرهم يئن من ألم الاحتياج, رجال الرئيس هم هؤلاء الرجال الذين يتحملون الشقاء والمعاناة, ويتقاسمون اللقمة من أجل العيش في بساطة تتطلبها أهداف المرحلة.
عزيزي الرئيس : رجالك هم من لم يخذلوك أبدًا عند النداء, ولن يخذلوك أبدًا لثقتنا فيك أبد الدهر.. هؤلاء هم رجال الرئيس الحقيقيون.