الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جثاميننا تشتاق لثرى مصر الطيب فانقلوها!


حالة خاصة وفريدة تلك التي يتميز بها المصري دون غيره من الكثير من الجنسيات الأخرى، على الرغم من إيماني المطلق أن جميع البشر ينتمون انتماء غريزيا إلى أوطانهم، بحكم تلك الفطرة التي فطرها الله سبحانه وتعالى وغرسها في نفوس بني الإنسان.

تلك الحالة الفريدة التي أعنيها هي أن المصري ربما يعيش كل أو جل حياته خارج الوطن، ساعيا للرزق مرة، وللتعلم مرة أخرى، أو حتى مخاصما لنظام الحكم أخرى، ولكنه ما أن يستشعر بدنو الأجل وانتهاء العمر، وإذا به يطلب من المقربين إليه أن يوارى جسده ثرى أرض مصر الطيبة، وكأني به بعد رحلة طويلة في عوالم مختلفة، يريد لعظامه المثقلة، أن يحتضنها التراب المقدس، لتنعم ساعتها براحة من ألم الفراق مرة، وراحة مما لاقاه في رحلة العمر الطويلة في الغربة مرة أخرى، وكأني بروحه – التي فارقت الجسد المسجى - لن تهدأ وتستكين إلا إذا تلاشى وعاؤها في الدنيا في تراب الأرض الطيبة.

ومن هنا فإن قضية نقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج إلى أرض الوطن تظل مطلبا حيويا لأبناء مصر في الخارج، يظلون يؤمنون وكأنه تلك المكافأة التي تقدمها الدولة المصرية لهم، فهم لم يكلفوا الدولة أية أعباء، بل تركوا أماكنهم لأقرانهم في الداخل، وخفّفوا العبء عن مرافق الدولة التي هي في الأصل مثقلة، لم يكن هذا فحسب، بل ساهموا - كلّ حسب استطاعته – في نهضة مصر، ساهموا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، لم يبخلوا بشيء مما امتلكوه، بل كل ما استطاعوا تملكه كان لمصر. ذلك الذي يشعرهم بأن لهم حقوقا على وطنهم، وإني أراهم لم يغالوا في تصور هذه الحقوق، وهل هناك أقل من أن تكون الأمنية أن يُدْفن الجسد في أرض الوطن؟! وأن تتحمل الدولة – ولو على سبيل التنظيم فحسب – نقل الجسد الذي أشتاق إلى أغلى ما في الوجود؛ تراب مصر المقدس ليحتضنه.

إن هناك تعليمات واضحة كل الوضوح أصدرها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة رعاية أبناء مصر في الخارج، وأنشأ من أجل ذلك وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، وأصدر تعليماته الواضحة بالعمل على حل مشكلات أبناء مصر بالخارج. 

ولعله من نافلة القول التذكير بأن مشكلات المصريين بالخارج معلومة جيدا ليس لأبناء مصر في الخارج فحسب بل للسادة المسؤولين الذين هم يعلمونها يقينا والذين وصلت إليهم عشرات المرات من الشكاوى التي يقوم ببثها أبناء الجالية المصرية في الخارج.

إن إحدى أهم المشكلات التي تواجه أسر المصريين بالخارج هي نقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج، وأن هناك مطالبات ومناشدات هائلة خرجت من حناجر أبناء مصر في الخارج لكي يتم نقل هذه الجثامين على نفقة الدولة، ولكن ذهبت تلك الصيحات هباء، وكأنها صرخات في وادٍ سحيق، لم يستمع إليها أحد.
 
لقد أسمعت لو ناديت حيا / ولكن لا حياة لمن تنادي.

لقد صدمنا صدمة هائلة مما صدر أخيرا عن السيد رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال من أن تكلفة نقل الجثامين مرهقة ولا يمكن للدولة تحملها فلقد أصاب هذا التصريح مشاعر المصريين بألم هائل، حيث إنهم يعلمون علم اليقين أن تكلفة تلك الجثامين أقل عشرات المرات من تكلفة تلك الرحلات التي يقوم بها السيد رئيس البرلمان وأعضاؤه والتي لا يرى لها المصريون أية فائدة تعود عليهم ولا على الوطن.

إننا نرى أن حل مشكلة نقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج أمر في منتهى البساطة، ويمكن حل تلك المعضلة دون أن تكلف الدولة أي عبء مادي، حتى نطمئن السيد رئيس مجلس النواب. 

إن عدد المصريين بالخارج حسب ما أعلنه المركز القومي للتعبئة العامة والاحصاء يقترب من ١٢ مليون مصري، في حال كان منهم مليونان ممن يحملون جنسيات أجنبية لا يستخرجون جواز سفر مصري، فإنه يتبقى هناك عشرة ملايين يستخرجون هذه الوثيقة الهامة فلو تم فرض مبلغ مائة جنيه فقط على الرسوم المفروضة على جواز السفر لحصلنا على مليار جنيه، يمكن أن تكون نواة لصندوق لرعاية المصريين بالخارج، ويمكن أن تُحَل من خلاله مشكلة نقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج بكل بساطة. 

كما يمكن لهذا الصندوق الذي يناقشه قانونه الآن مجلس النواب المصري، أن يساهم - إضافة لنقل جثامين المتوفين من أبناء مصر بالخارج - بشكل فعال في صرف معاش لأبناء مصر في الخارج خاصة للفئات صاحبة الدخول القليلة والتي عمل أبناؤها من أجل الإنفاق وتربية أولادهم ولم يكن لديهم فرصة لتوفير مدخرات تساعدهم على مصاعب الحياة في سنوات عمرهم الأخيرة.

إن حل مشاكل المصريين في الخارج لن تمثل عبئا على الدولة ولن ترهق ميزانيتها كما يزعم السيد رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال، بل يمكن أن يتم حل كافة مشكلات المصريين بالخارج، إضافة لفوائد يمكن أن تعود للوطن، وذلك بتوفير فرص عمل لأبناء مصر في الداخل، حال كان لدى المسؤول القدرة على الإتيان بأفكار قابلة للتنفيذ، وحال كان هناك إرادة حقيقية على حل المشكلات.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط