أفصح أردوغان عن أطماعه الاستعمارية، في اجتماع حزبي في بداية هذا الأسبوع، عما سماه "ميراث الأجداد"، الممتد من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا وحتى جزيرة سواكن السودانية، مؤكدًا أنه سيتشبث به، وهو ما يعمل عليه منذ سنوات.
المثير للاهتمام ونحن نعيش الألفية الثالثة بعد الميلاد وبالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي والادعاء بأن الدنيا باتت كالقرية الصغيرة، يعرف الإنسانفيها ما يحدث بسرعة كبيرة خلافًا لما كان يعيشه منذ قرون عدة، ونحن في هذه الفترة من تاريخ الإنسانوالكون إلا أنه حتى الآن لم ندرك قيمة حياتنا ومعنى أننا نعيش ولماذا نعيش وكيف نعيش؟ نشعر بهذه الأسئلة ونبحث عن أجوبة لها لأننا حتى الآن لم ندرك أو لم نولِ التاريخ قيمته ومعناه الخاص به ولم نتعظ منه إلا في ما نريده نحن وليس كما يجب أن نكون.
كثير من المؤرخين دونوا عشرات الكتب وتركوها لنا كي نستفيد حينما نقرأها لنعرف كيف نتصرف أمام عظائم الأمور إذا واجهتنا ونتجاوزها بالاستفادة من تجارب مما سبقونا من خلال قراءة التاريخ. الأحداث تتكرر وإن كانت بأسلوبمختلف في الزمان والمكان ولكن تبقى العبرة لمن يتعظ منها. لهذا قام هؤلاء الكتَّاب بتدوين التاريخ للاستفادة منه لمعرفة الحاضر ورسم المستقبل.
إلا قليلو العقل والذين أصابهم داء العظمة والذين يريدون إعادة إنتاجالتاريخ وتكراره بنفس النسخة ويتمنون أن يحصلوا على نتائج أفضل، متناسين أو يتناسوا أنه يمكن تكرار التاريخ ولكن لا يمكن البتة الحصول على نتائج أفضل مما كان، وإلا لما تبقى من معنى للتاريخ.
هذا ما نعيشه في راهننا حيث ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين وما زال هناك ممن يدَّعون أنهم عقلاء وسبقوا زمانهم وينظرون إلى الشعب كقطيع والمجتمعات كحظائر خاصة بمقدورهم أن يفعلوا ما يشاؤون من دون حسيب أو رقيب، مثلهذه الشخصيات المريضة لم تقرأ التاريخ قراءة نقدية لتفادي مخاطر الحاضر والمستقبل، بقدر ما قرأته لتكراره وبشكل أفظع ,أكثروحشية.
وفي أفضل من كتب عن مثل هذه الشخصيات هو ابن خلدون في مقدمته وهو يعرف التاريخ قائلًا: "اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداءلمن يرومه في أحوال الدين والدنيا".
إلا أن الشخصيات المريضة لا تقرأ التاريخ بموضوعية وتقع بنفس المستنقع الذي وقع فيه من سبقوهم وهكذا يعيدون عجلة التاريخ ويصبحون عقبة أمام الحاضر وكذلك بناء المستقبل، إذ إن دراسة التاريخ لا غنى عنها للإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا، ولهذا ينبغي عليه أن يعرف تاريخ تطوره وتاريخ أعماله وآثاره، فالإنسان لا يستطيع أن يتفهم حاضره ما لم يكن ملمًا بماضيه لأنه ليس ابن للحاضر فقط بل هو ابنًا للماضي وثمرة الوجود الإنسانيكله.
أردوغان الشخصية المثيرة للجدل في عالمنا الذي نصفه بأنه عالم التطور العلمي وأن الإنسانيعيش مرحلة أرقى عمن سبقوه، إلا أنه في الواقع يعيش مرحلة الانهيار والفشل والهذيان كسابقيه من الدكتاتوريين الذين أرادوا بناء إمبراطوريتهم الخاصة بهم ليتربعوا على عرشها وينصبوا أنفسهم كآلهة على رقاب الشعوب.
أراد أن يعيش هذه التراجيديا هتلر أيضًا وراح يتفنن في خداع الشعب في صفاء العرق الآري الذي يحق له فقط أن يعيش حياة كريمة وأما باقي الشعوب فوظيفتهم هي خدمة الطبقة الأولى، ومن يعترض هوسه وهذيانه يكون نصيبه الموت. كذلك فعلها نمرود وفرعون وموسوليني وغيرهم الكثير، إلا أنَّ نهايتهم المتشابهة تؤكد أن نفسيتهم المريضة هي التي ستؤدي بهم إلى النهاية المحتومة في لعنة التاريخ والشعوب.
تصريحات أردوغان المثيرة للشفقة تؤكد أنه يسير على خطى ممن سبقوه من الدكتاتوريين وأنه سيلاقي نفس النهاية المأساوية التي لاقاها الآخرين أيضًا. إذ إن الحنين للماضي لا يعطي الحق بتاتًا لأردوغان أن يحتل البلدان الأخرى كما فعلها أجداده العثمانيين في سرقة تاريخ الشعوب والمجتمعات وميراثهم وثقافتهم تحت راية الخلافة. يريد أن يغزو ويسرق ثانية وبنفس الأسلوب الذي اتبعه كافة السلاطين العثمانيين في خداع الشعوب براية الإسلاموالخلافة الإسلامية.
تناسى أردوغان أن لا العرب مثل السابق كذلك ليس الكرد أيضًا كرد الماضي يمكن خداعهم ببعض الكلمات الدينية، ولا بعنترياته في تحرير القدس. ومثلما أن سواكن ليست عثمانية تركية أردوغانية، كذلك الكرد ليسوا ارهابيين بل هم طالِبوا وعشاق للحرية. إنهم قرأوا التاريخ بشكل جيد واستفادوا واتعظوا من التاريخ كثيرًا. ويعرفون كيف يمكن مجابهة الضلاليين والمخادعين وكشف عوراتهم كي يكونوا سخرية الشعوب والمجتمعات.
مشروع الأمة الديمقراطية الذي تبنته الشعوب في شمالي سوريا سيكون الشوكة التي ستخنق أردوغان وتخرجه من جلده وتفقده صوابه حتى يلقى عاقبته مثل نمرود أو فرعون. فكيف أن شمالي سوريا كانت البوابة في احتلال العثمانيين للمنطقة لمدة أكثر من أربعة قرون، هي نفس الجغرافيا التي ستكون بداية نهاية أردوغان وتركيا وعلى يد نفس شعوب المنطقة. من دابق احتل العثمانيون المنطقة ومن دابق بالذات سينكمش ويزول الأتراك ولو بعد حين.
ومن الرجل المريض إلى الحفيد المعتوه أردوغان. سيتم كتابة التاريخ من جديد على أيدي شعوب المنطقة على أساس العيش المشترك وأخوة الشعوب التي ينادون بها ويطبقونها والتي باتت حقيقة وشعاع أمل للخروج من ظلام طواغيت العصر.