المشربية.. تاريخ في قطعة خشب يمتد من القاهرة إلى بغداد

في عام 1979، أُنتج المسلسل المصري"المشربية"، من تأليف الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، وإخراج فخر الدين صلاح، وبطولة شكري سرحان ونسرين ومحمود الحديني وعبد الرحمن أبو زهرة وسميحة أيوب وصبري عبد المنعم وإبراهيم الشامي.
وأجاد المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة، كعادته، في وصف وإبراز العلاقات الإنسانية المختلفة بين سكان الحارة المصرية، ومدي تشابك هذه العلاقات كما تتشابك أخشاب المشربية؛ ولذلك كان المشهد الأول بين الفنانين شكري سرحان وإبراهيم الشامي عن المشربية، ومدي جمالها كفن عريق.
وكما يخبرنا د.ممدوح عثمان مدير عام المتحف الإسلامي؛ فإنه من ضمن محتويات المتحف، قطعة مهمة، عبارة عن مشربية من الخشب "مصر – العصر العثماني" تعود للقرن الـ11- عام 12هجريةـ/ 17- 18 ميلادية"
وتابع:شاع هذا الشكل من المشربيات على واجهات المنازل خلال العصر العثماني في مصر، حتى تتمتع النساء بالرؤية؛ دون أن يراهن أحد من المارة أو الجيران سواء في الشارع أو البيوت المجاورة.
وأضاف:لذا أصبحت المشربية من أهم الوسائل المتبعة للحفاظ على خصوصية البيت، عملًا بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ويرجع أصل كلمة مشربية إلي شرابية وهو موضع القلل خارج النافذة لتبريد المياه.
والمشربية عنصر معماري يتمثّل في بروز الغرف في الطابق الأول أو ما فوقه،ويمتد فوق الشارع أو داخل فناء المبنى"في البيوت ذات الأفنية الوسطيّة"، وتُبنى المشربية من الخشب المنقوش والمزخرف والمبطّن بالزجاج الملون.
وتعدّ المشربية أحد عناصر العمارة التقليدية الصحراوية في البلاد العربية الحارّة،وبدأ ظهورها في القرن السادس الهجري"الثالث عشر الميلادي"في العصر العباسي،واستمر استخدامها حتى أوائل القرن العشرين الميلادي،وكانت تستخدم أيضا بخلاف المنازل في بعض المباني العامة مثل الـ"خان" والمستشفيات وغيرها.
وبجانب الخصوصية،كانت المشربية تحقق فوائد أخري مثل إدخال كميّات كبيرة من الضوء غير المباشر للمنزل،وتمنع الإشعاع الشمسي المباشر المصحوب بدرجات حرارة عالية من الدخول عبر فتحاتها، كما ساهمت في زيادة تدفّق الهواء بنسبة عالية والتبريد للغرف،بجانب روعتها كعنصر جمالي يزين المكان الذي توجد فيه.
ولم يقتصر استخدام المشربيات علي بلد بعينها،وشاع في عدة مدن منها القاهرة التي تمتلئ منشأتها الأثرية والتاريخية بها، خاصة الموجودة في شارع المعز ومنطقة الجمالية ومحيطها، وكذلك "البصرة" في العراق، والتي تلقب بـ"أم المشربيات"؛ لكثرتها في المنازل هناك، خاصة التي تطل على شط العرب فيها.
وتوجد بعض المشربيات التي بنيت في "بغداد"- خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي- تأثرت بحركتي الـ"آرت نوفو"، والـ"آرت ديكو" الغربيتان، ويظهر هذا في النقوش والزخارف.