في إطار سعي موقع "صدى البلد" الإخباري، على مساعدة القارئ على استرجاع ذكريات الماضي، والعودة لأيام الزمن الجميل، يرصد موقع "صدى البلد" في السطور القادمة أصل وتاريخ نشأة الكتاتيب التي كانت تعلم الناس القراءة والكتابة.
الكتاتيب هي طريقة تعليمية تم اتباعها في السابق في المراحل الأولى، وكان مهد هذه الكتاتيب في مصر ثم انتشرت لعدد من الدول العربية.
وتعد الكتاتيب المصرية، أحد أهم أشكال التعليم في المراحل الأولية، فمن خلالها تعلم عمالقة العالم العربي أسس وقواعد اللغة العربية والقراءة والكتابة والحساب، بالإضافة إلى أنها كانت مقرا هاما لتعليم أسس دراسات الدين الإسلامي، فمن خلالها حفظ الكثيرون القرآن الكريم كاملا، فضلا عن تعلم السنة النبوية وأسس علوم الاجتماع بشكل مبسط، هذا إلى جانب تعلم أهم القيم الأخلاقية ، والآداب المجتمعية المتبعة في المكان المقام فيه الكتاب.
وتعود أصول الكتاتيب إلى أقدم العصور، فقد عُرِفَت في العصور الفرعونية بـ"مدارس المعابد"، وهي مدارس متصلة بالمعابد الفرعونية كانت تمنح لطلابها شهادة "كاتب تلقى المحبرة"، واستكملت الكتاتيب مشوارها في العصر المسيحي، فكانت تقوم بتعليم طلابها بعضًا من الكتاب المقدس والمزامير.
أما الانطلاقة الكبرى للكتاتيب المصرية فقد حدثت بعد انتشار الإسلام في مصر وبعدها في انتشرت بقوة في جميع الربوع المصرية، حيث كانت الكتاتيب المصرية تقام في مبانٍ ملحقة بالمساجد أو مباني مستقلة بذاتها، و كان عادة يجلس المعلم على مصطبة أو كرسي مرتفع قليلا عن الأرض، وكان التلاميذ يلتفون حوله على الأرض على بعض البسط المصنوعة من الحصير.
أما عن العاصمة، فقد كانت الكتاتيب تمتاز بشكل أكبر قليلا من الشكل السابق، ومن أشهر الكتاتيب في هذا الوقت كتاب عبد الرحمن كتخدا، الذي تم بناؤه في عام 1744، وكان هذا الكتاب في شارع المعز لدين الله الفاطمي، وقد قام بتصميمه الأمير عبد الرحمن كتخدا الذي عرف بالعبقرية الفذة في الهندسة المعمارية، وكذلك كتاب نفيسة البيضاء الموجود بالمنطقة العتيقة المسماة بالسكرية، وقام ببنائه سيدة عرفت بالنفيسة البيضاء وكانت من أغنى أغنياء عصرها، وقد قامت ببنائه ووهبته للعلم.
وكان المعلم يجلس على كرسي أو مصطبة مرتفعة عن الأرض، أما التلاميذ فكانوا يجلسون أمامه على الأرض المفروشة بالحُصر، وكان المعلم أو الشيخ يحمل في يده عصا يلسع بها الطالب البليد أو المتكاسل، وكان الطلاب الصغار يرتدون الجلباب وطاقية أو عمامة صغيرة أما الأكبر سنًا فكانوا يرتدون الطرابيش وكانت المصاحف توضع بينهم للقراءة على قواعد مرتفعة من البوص أو الخوص.
وكان المُحفِّظ في الكتاتيب قديما، يقوم أولا بتقسيم الأطفال إلى مجموعات حسب تاريخ الالتحاق بالكتّاب، وحسب القدرة العقلية لكل مجموعة، وغالبا ما تكون المجموعة قريبة من بعضها في السن، ويقوم في البداية بتلقينهم السور الصغيرة من القرآن الكريم حتى يحفظوها.
وكان اليوم الدراسي في الكتاب يبدأ عند شروق الشمس، وينتهي بعد إقامة صلاة العصر، أما عن العمر الذي يتم إلحاق الطفل للكتاب به هو الثالثة من عمره، أما عن الأدوات التي كان على التلميذ اقتنائها عند الذهاب للكتاب، فكانت بعض الألواح الخشبية والأقلام، وبالنسبة للدوام في الكتاب فكان الطفل ينتظم لمدة خمسة أيام، ويتم استثناء أيام البرد الشديد والعطلات والأعياد.
ولم تحظ الكتاتيب بالرعاية الكافية من جانب الحكومات، حيث دخلت الكتاتيب في منافسة شرسة وغير متكافئة مع دور الحضانة والمدارس، وأصبح دورها مساعدا وليس أساسيا في العملية التعليمية وتمتاز بالبساطة والتحق خريجي الكتاتيب المصرية.
وقد كثرت النوادر عن معلمى الكتاتيب في الماضي، حيث قيل إن معلم الصبيان لم يكن يؤخذ له بشهادة أمام القاضى، ولقلة ما يتحصلون عليه للمعيشة قد دفع ذلك أولياء أمور الطلبة لمنحهم القليل من المال أو حتى الطعام مثل البيض والخبز، وقد لجأ بعضهم للقراءة في المقابر على أرواح الأموات مقابل الصدقات، ثم احترف بعضهم تلاوة القرآن بصوت حسن فأحيوا ليالي المأتم واستمر الحال حتى ظهر منهم مشاهير قراء العالم الإسلامي، ولا ينكر أحد فضل الكتاتيب، ومن محفظي الكتاتيب من كان أديبا شاعرًا كالشيخ أحمد شفيق كامل الذي تغنت أم كلثوم بقصائده مثل «أمل حياتي» و«انت عمري»، كما كان من مشاهير المحفظات في العالم الإسلامي من النساء في العصر الحديث الشيخة زينب محفظة قرية صراوة أشمون منوفية والتي خرجت الكثير من الحفظة وكرمتها مصر أكثر من مرة.
وقد خرَّجت الكتاتيب عظماء الفقهاء والحفظة وعرف معلمو الكتاتيب بالمؤدبين والمشايخ ويساعدهم العرفاء، ويعد من مشاهير خريجي الكتاتيب رفاعة الطهطاوي، رائد الثقافة الحديثة في مصر، وعميد الأدب العربي طه حسين، الذي صورت روايته «الأيام» ما يدور في «الكتاتيب» في عصره، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد.