أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مؤتمر الشباب السادس، فى جامعة القاهرة عن إنشاء هيئة قومية مستقلة لضمان جودة برامج التعليم الفنى والتقني فى مصر طبقا للمعايير الدولية تتولى إطلاق ثورة تطوير وتحديث فى هذا المجال الحيوى للاقتصاد وتوليد فرص الحياة والرزق..وحتى الآن لم تتقدم حكومة مدبولى بتصور أو مقترح تشريعي عن الهيئة التي طلب رئيس الجمهورية إنشائها.
واقع الحال أن مدارس ومعاهد التعليم الفنى تركز على الدراسة النظرية بعيدا عن الممارسة العملية ..و معظم أجهزتها إما قديمة أو مستهلكة أو معطلة، والجديد منها غير مستغل باحترافية ..ومدرسو التعليم الفنى أنفسهم يعانون من نقص فى التدريب على طرق التدريس السليمة..والطلاب غالبيتهم من أسر فقيرة.
ولضمان نجاح تلك الهيئة لابد أن تكون مهمتها الحقيقية رفع مستوى أداء وتجهيز وتطوير مدارس ومعاهد التعليم الفنى لتصبح صروحا تعليمية من الجيل الرابع ..ونقل الخبرات الدولية وتوصيف وظائف الخريجين وفق التوصيف الأوروبي المعترف به فى البلدان المتقدمة . . وأن تتولى إعداد جيل جديد من المعلمين يجمع بين مهارة ومعارف المهندسين وأساتذة الجامعات.
وتحتاج مصر الى خبرات ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان من أجل وضع الأطر العامة والمقترحات اللازمة لإنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم الفنى والتدريب المهنى فى مصر.وربط مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني، باحتياجات سوق العمل فضلًا عن ضمان تطبيق معايير جودة للتعليم الفني والتدريب المهني قياسًا بالمعايير العالمية، وذلك لضمان تنافسية العمالة الفنية المصرية في سوق العمل المصري وأسواق العمل الدولية، وهو ما ينعكس بدوره على تنافسية المنتجات والعمالة المصرية.إضافة الى محاربة الفقر والهجرة غير الشرعية وتحسين مستوى معيشة ألاف الأسر المصرية.
إن كسب المهارات هو الذى يحدد فى الواقع مساهمة التعليم فى النمو الاقتصادي وليست سنوات الدراسة والأسماء الرنانة للشهادات ، ولابد من تحديث علم التربية والممارسات التعليمية لتعزيز التعلم والإبداع والابتكار..وهذا اكبر تحدى يواجه تطوير التعليم فى مصر.. لقد قفزت الصناعة فى العالم إلى جيل متطور يعتمد على الروبوتات والمعدات الهيدروليكية والكهروميكانيكية، وأشعة الليزر وغيرها، من التقنيات الحديثة التى يعمل بها فنيون على مستوى رفيع من التعليم الفني.
إصلاح حال التعليم الفني وتغيير نظرة المصريين لحاملي الدبلومات والمعاهد الفنية يبد أ من إلغاء التحيز ضدهم وفرض قبول أبنائهم فى المدارس الخاصة والتجريبية و النوادي الاجتماعية وإلغاء شرط حصول أولياء أمور الطلاب على مؤهل عال.. لابد من تغيير وهدم النظرة الاجتماعية المتعالية ضد هذا النوع من التعليم.
وفى تصورى ان تطوير التعليم الفنى .. وانصاف خريجيه يتطلب معالجة جذرية للقوانين واللوائح الحالية والنظر الى التعليم الفنى نظرة شاملة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع القانونية والقيمية والمجتمعية تغييرها فورا.. مازال القانون يعطى مزايا للحاصلين على التعليم العام بلاحدود مقابل التعليم الفنى سواء فى الترقى داخل السلم الوظيفى ..ويعد الحاصلون على مؤهل فنى فى درجات أدنى من أمثالهم خريجى التعليم العام. ..و يتوقفون عن الترقى عند درجات معينة فى السلم الوظيفى.
وحتى نحقق قفزة نوعية فى الثورة الصناعية الرابعة نعوض بها ما فات مصر لننتقل إلى جيل الصناعات فائقة الدقة والتقدم لن يحدث ما لم يكن لدينا تعليم فنى متطور ورفع مستوى المدارس الفنية بكل عناصرها، لتخريج شباب مؤهل لا يقل عن مستوى التأهيل فى البلدان المتقدمة.. ان التقدم الكبير فى الصناعات الألمانية المشهود لها بالكفاءة والتطور والجودة فى العالم يبدأ من مدارسها الفنية.. أولت ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تلك المدارس والمعاهد أهمية قصوى لإدراكهم أن التقدم الصناعى والمنافسة على القمة لا يمكن أن تتحقق بدونها.
حقيقة الأمر أن الاهتمام بالتعليم الفنى لا يقتصر على تشكيل وزارة أو تعيين نائب للوزير بقدر أهمية وحيوية ربط مخرجات التعليم الفني بسوق العمل فى مصر والدول الأوربية والعربية والأفريقية والآسيوية التى تفتح حاليا مجالات العمل والإقامة أمام الشباب الذين يحملون مهارات مطلوبة فى ميدان الإنتاج والخدمات والمهن الحرفية.
وإذا كان البشر أهم ما يميز مصر فلدينا فرص كبيرة فى تصدير العمالة وتلك ثروة لا تقدر بثمن لكنها تحتاج إلى تأهيل وتدريب متطور يخضع للمعايير العالمية والشهادات الدولية المتعارف عليها في كل تخصص .
لقد ثبت بالتجربة أن العمالة المهاجرة تقوم بدور كبير في نقل التكنولوجيا الحديثة وفتح مجالات العمل لآخرين في نفس البلد..ان تحويلات المصريين بالخارج باتت تشكل أهم وأكبر مورد اقتصادي للعملات الأجنبية وتحريك حركة التجارة والصناعة والاستثمار حيث بلغت تحويلات المصريين خلال 10 شهور من عام 2018 ما يزيد على 22 مليار دولار.
لا تزال البطالة التحدي الرئيسي بسوق العمل فى مصر.. الاهتمام ببرامج التدريب يمثل أهم السياسات لمواجهة مشكلتي عدم التوافق بين مهارات وقدرات المتعطلين مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل. .و الحل الواقعى يتطلب إعادة تأهيل شريحة عريضة من العاملين بالفعل على المهارات الجديدة الأساسية. وفى هذا الصدد تبرز أهمية صياغة برنامج قومى للتدريب المهنى من خلال المجلس الأعلى للتدريب يتركز على تلبية المهارات المطلوبة فى سوق العمل.
ان هذا الملف يستحق اهتماما رئاسيا حيث يفتح أبواب الأمل والرزق أمام الشباب ويسهم فى ضخ موارد أجنبية دائمة للاقتصاد القومي.