لم يكن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا قرارا مفاجئا ولكنه كان قرارا مؤجلا؛ فالواضح أنواشنطن كان ينبغى أنتسحب جنودها من سوريا منذ أنوطأت قدم الدب الروسى أرضدمشق ولكن لأن الإدارة الأمريكية تعمل بمبدأ "لعل وعسى "فقد أبقتقواتها وبقيت ومن أجلذلك فعلت المستحيل ظاهرا وباطنا لتعيد سوريا إلى المربع صفر ولكنها فشلت فى كل الأوراق التى استخدمتها ؛ وقد تكون الظروف التى طرأت على المنطقة سببا فى فشل الخطط الأمريكيةلإقصاءالرئيس السورى بشار الأسد العراقسوريا فى مستنقع حرب العصابات والشوارع.
خروج الولايات المتحدة المعلن مؤخرا من سوريا يرجح السياسيون أن سببه الأولوربما الأخير هو نضوب خزانة الدول الممولة لاستمرار الصراع السورى الذى ناهز الثمانى سنوات، فقد ظهر فى الأفق أنتمويل الجماعات المعارضة لسوريا وتسليحها امر مرهق للخزانة الخليجية وأيضا غير مجدى كما أنه يعمل على خلق المزيد من اعداء الاسر الخليجية الحاكمة ؛ وهو الأمرالذى تنأى عنه هذه الأسرفى المرحلة الراهنة وربما ما بعدها، كما ان طبيعة المرحلة تؤكد ان على دول الخليج ان تنظر فى اتجاهات اخرى غير هذه الجهة التى أخذتالكثير والكثير من الوقت والجهد والمال بلا مقابل ملموس ؛ وخاصة أن عدوة بعض من دول الخليج وهى ايران يتنامى ويتغلغل تأثيرها رغم ماتشهده وشهدته سوريا من تداعيات سنوات الحرب الضروس .انسحاب واشنطن من المؤكد انه اعتراف بأمر واقع وايضا تكتيك امريكى على مابعد انتهاء الحرب وعودة السلم والامن والامان الى الربوع السورية والجلوس مع الشركاء على مائدة اعمار سوريا واظهار حسن النوايا والرغبة فى المساعدة على تخطى عثرات السنين العجاف.الادارة الامريكية لا تتخذاجراءات ولا قرارات جزافية ولا وقتية فهى ترى اخر الطريق ماذا يبدو فيه؛ وتعمل على تلك الرؤية وتبذل كل ما تستطيعمن اجل ان يقول الكل عنها انها حمل برىء يحمل بداخله كل الخير والسلام.
تركيا وضعت فى مأزق بانسحاب واشنطن هذا مؤكد وهذا ماستثبته الايام وتؤكده لان انقرة توهمت كما توهم الرئيس العراقى الراحل صدام حسين ان الولايات المتحدة صديقة للابد ولكن لمن يقرأ التاريخ يعلم ان واشنطن صديقة مصالحها وحبيبة ظروفها واجواءها؛ وهى لاتبقى على من لانفع منه ولابه ؛ وتاريخ ايران والشاه خير دليل وغيره الكثيرين فى بقاع الارض وربوعها .
الولايات المتحدة ادركت ان انسحابها افضل لها مليون مرة من بقاءها ، وهى على يقين انه اذا اقتضت الحاجة والمصلحة عودتها فهى على الفور ستعود ولن يعيدها احدا عن قرارها. واشنطن تتعامل فى منطقة الشرق الاوسط بمنطق جدتى التى تقول (القوى عايب) وعليه فهى تدرك ان قوتها تمكنها من فعل ماتريد ولكن بشروط واجراءات وتفاهمات وهى تعلم ايضا ان الدب الروسى قد ثبت اقدامه فى دمشق وان المواجهة ستكلفها الكثير وربما تفقدها الكثير ايضا. ونحن بين القوى العايب والاقوى المسيطر نرددحكمة اذا تصارع الافيال فالخاسر الوحيد هو العشب فياعشب اجمد وتحمل وادعو بزوال من يتصارعون على ارضك ويمتصون خيرك ..