استقيموا يرحمكم الله!!!

انشغلت الفترة السابقة بعدد من المشاركات اقتربت من الصراعات في مجالات مختلفة، وهو الأمر الذي أبعدني عن نشاطي المحبب إلى قلبي، وهو الكتابة، لفترة فوجئت بأنها اقتربت من الشهرين، إلا أن ما كسر حدة هذا الابتعاد هو توالي التصريحات الصحفية والظهور التليفزيوني المحدود، وبالتالي لم أبتعد عن الساحة الإعلامية كليةً.
ويرجع السبب الرئيسي في كتابة هذا المقال، إلى قراءة أحد المقالات الدافئة، والتي تحث على توطيد دور الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية والعمل التطوعي في النهوض بالمجتمع.
كلام جميل ويخترق القلوب سريعًا.
فأنا من أنصار العمل التطوعي، الخالص لوجه الله تعالى، ونضع تحت تلك العبارة العديد والعديد من الخطوط، ونقف لها احترامًا، وما أعنيه هو العمل التطوعي الذي يمكن من خلاله مساعدة من يحتاجون المساعدة حقًا، بل والوصول إلى نسبة كبيرة من المناطق النائية، والأكثر من ذلك فأنا أرى أن مؤسسات المجتمع المدني "التطوعية"، وإن كانت كذلك حقًا، يمكنها أن تكون الذراع المساعدة للجهود الحكومية، في النهوض بالمجتمع ككل.
ولكن!!
هل الكاتب الكبير تعرف على أوجه صرف أموال تلك الجهات التنموية المفترض أنها خيرية؟
هل شاهدت بنود تلك الموازنات؟
أتمنى أن تتاح لك الفرصة للاطلاع؟ فما قد تحسبه مشروعًا تنمويًا خيريًا يهدف إلى تنمية المجتمع، ستجده مشروعا استثماريا من فئة الخمس نجوم ويزيد.
"ممكن أغشش حضرتك، انظر كدة على بنود الأجور والمرتبات والمكافآت والمصروفات النثرية، ستجدها تفوق بند إنشاء المشروع التنموي نفسه بكافة مراحله وبعدة مرات.
أعتقد نظرتك كاقتصادي كبير ستختلف، إذا ما كنت تتفق معي حول ذات المفهوم وهو الأعمال التطوعية المجتمعية.
ما استرعى اهتمامي أيضًا هو نداء آخر لأحد كبار الاقتصاديين بعدد من التعديلات على قانون الجمعيات الأهلية، منها "تأسيس الجمعيات الأهلية بالإخطار، والسماح لها بمزاولة الأنشطة المنصوص عليها فى تصريح إنشائها دون موافقات أو تصاريح، ومنحها الحق فى تلقى التبرعات الداخلية، وإخطار وزارة التضامن بأى تمويل خارجى، وإعادة النظر فى باب العقوبات لتشجيع العمل التطوعى، وتشجيع المنظمات الإقليمية والدولية على مزاولة أنشطتها التنموية فى مصر، ورأى كاتب المقال أن "مثل هذه التعديلات من شأنها بث الثقة بين الحكومة والمجتمع الأهلي".
لم أجد ردا لهذا العلامة سوى، ألم يكفك ما حدث للوطن أثناء وبعد يناير 2011 نتيجة تلك التمويلات المسبقة وضعف الرقابة عليها، مش كفاية كدة!!
من قراءتي للمقالين وهما لكبار الاقتصاديين، سأفترض حسن نواياكما، لكن سأصدر لكما سوء نوايا الجهات الأخرى، والتي تتخذ من العمل المجتمعي التنموي "سبوبة"، بكل ما تحمله الكلمة من معان، لتتستر تحت عددٍ من الشعارات البراقة التي يمكن أن تحصل من خلالها على الموافقات التمويلية من العديد من الجهات داخليًا وخارجيًا لمشاريعهم التنموية، وتتمثل تلك الشعارات في؛ خد عندك؛ التنمية المستدامة، الأسر الفقيرة، الحفاظ على البيئة، توفير فرص العمل، تشجيع المرأة، المناطق الأكثر فقرًا، التدريب، الفئات الأولى بالرعاية، وكله تحت بند التنمية والعمل التطوعي وخدمة المجتمع.
لا أعارض فكرة خدمة المجتمع، والمشروعات التنموية، لكل معارضتي تكمن في تحويل تلك الجمعيات والمؤسسات التنموية إلى أداة وشعار يتستر تحته أصحاب القلوب الدافئة ظاهريًا، ليتم ملء الجيوب بالتمويلات، فإذا ما كانت فعلا تستهدف تلك المشروعات خدمة المجتمع، فبمراجعة موازنتها وفقًا لأهداف خدمة المجتمع، يمكن أن تخدم أموال المشروع الواحد عدة مشروعات أخرى، إذا ما خلصت النوايا حقًا على أنها أعمال تطوعية تستهدف خدمة المجتمع حقًا.
كفاكم متاجرة بالفقراء والمحتاجين، فإذا ما كنتم تبغون التجارة والاستثمار، فالطريق أعتقد أنكم تجيدون الوصول إليه، وهو الامر الذي يبتعد تمامًا عن طريق خدمة المجتمع والأعمال التطوعية.
وما أنادي به، هو ضرورة مراجعة موازنات المشروعات المقدمة من المؤسسات التنموية والجمعيات الخيرية قبل الحصول على التمويلات، ليتم دراسة بنودها من جانب خبراء فنيين متخصصين في مجال المشروع التنموي، وليس من خلال موظفين إداريين، على أن تشرف الرقابة الإدارية على تلك الموافقات الفنية، لتعم الفائدة على المجتمع ككل، ونصل إلى الأهداف التنموية المرجوة حقًا.
أحدثكم وأحدث نفسي لأقول "استقيموا يرحمكم الله".