قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

لا أحد يقرأ.. نكبة الجهل في العالم العربي

×

الكتابة عن الثقافة في العالم العربي نوع من الترف، الكثيرون يرون أن الخروج بعيدًا عن الحياة المعيشية اليومية الطاحنة التي يحياها المواطن العربي نوع من الترف والفراغ لا تستحقه الشعوب العربية ولا تنتظره.

إنها تنتظر من كل صاحب رأي، أن يكتب في متطلبات الطعام والشراب والدخول الشهرية ومستوى المعيشة المتدهور، وحكايات لاعبي كرة القدم ومطربات الإيحاءات الجنسية وفنانات الفساتين العارية، أما الكتابة خارج هذا الصندوق فهو نوع من التسالي.

وللأسف فالانحطاط الذي تعيشه المجتمعات العربية منذ عقود طويلة، يعود إلى هذه النظرة المتدنية لمتطلبات الحياة اليومية، فلا أحد يقرأ ولا أحد يريد أن يعي ما حوله، وللأسف عشرات الملايين ينمون ويكبرون مع مناهج تعليمية منحطة بمعنى الكلمة بعيدة تمامًا عن الواقع، ولا تتناسب مع الثورات المعلوماتية والفكرية التي تنتاب العالم أجمع، ونحن بعيدون عنها بقرون طويلة مظلمة، كما أن هذه المناهج تفتقد خلق الشخصية القيادية أو الوطنية المنتمية إلى بلادها.

علاوة على أن الثقافة الشعبية الهابطة والدارجة من جانب أفلام ومسلسلات تليفزيونية مستقاة من لغة الحواري والكباريهات، وأبطالها للأسف على الدوام شواذ وبلطجية وعاهات لا تعرف أن تتكلم، هى التى تتصدر الساحة الفنية في مصر منذ أكثر من 25 سنة ماضية والحال واحد في الدول العربية.

ووسط هذا الاضطراب الثقافي والفني وشيوع التدني، كانت معدلات الثقافة العامة ومستويات القراءة في مصر والعالم العربي تتراجع إلى معدلات مخيفة.

وتكشف بعض الدراسات المنشورة عن انحطاط الواقع الثقافي في مصر والبلاد العربية، وشيوع الجهل خصوصا عند مقارنة هذه الإحصاءات والمؤشرات بمثيلاتها في الدول الغربية.

فمتوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويًا، وذلك بحسب نتائج خلصت إليها لجنة رسمية عربية تتابع شؤون النشر، وذلك قبل عامين.

كما يعتبر هذا المعدل منخفضًا ومتراجعًا ومحبطًا عن السنوات الماضية، ففي عام 2003، وبحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو، كان كل 80 عربيًا يقرأ كتابًا واحدًا، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتابًا في السنة، والمواطن الإسرائيلي يقرأ 40 كتابًا، ورغم الفارق الكبير في نصيب القراءة للمواطن العربي مقارنة بالأوروبي، إلا أنه يعتبر أفضل من الوقت الحالي، حيث تراجع إلى ربع صفحة فقط، وهو معدل كارثي ومخيف بكل ما تعنيه الكلمة.

أما بخصوص ساعات القراءة، ووفق تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" وللأسف في سنوات الاضطرابات لم يصدر منذ ذلك الوقت أي تقرير جديد يشير إلى أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنويا، أما في معدل إنتاج الكتب، وبحسب "تقرير التنمية الثقافية" الذي أصدرته منظمة اليونسكو فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنويًا في العالم العربي لا يتجاوز الـ5000 عنوان، أما في أمريكا، على سبيل المثال، فيصدر سنويًا نحو 300 ألف كتاب.

أما إذا انتقلنا إلى عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي نجد اتساع الهوة، فالكتاب العربي لا يطبع منه إلا ألف أو ألفان، وفي حالات نادرة تصل إلى 5 آلاف نسخة، بينما تتجاوز النسخ المطبوعة لكل كتاب في الغرب 50 ألف نسخة، وقد يصل إلى أكثر من هذا العدد.

أما نسبة ترجمة الكتب في الوطن العربي بكامله ومنذ سنوات، فلا تصل كلها إلا لنحو 20% من الكتب التي يتم ترجمتها في اليونان!.

وإذا كان البعض يرى وأنا منهم أن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء أزمة القراءة الفادحة في العالم العربي، وفي مقدمتها ارتفاع مستوى الأمية، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية التي لا توفر للمواطن العربي الوقت والمال للقراءة، إلى جانب نقص انتشار الكتب وعدم تشجيع المناهج الدراسية والتربية الأسرية على القراءة.

فإن التخلي الرسمي عن الثقافة من جانب الحكومات العربية يعد كارثة، فهناك عشرات من وزارات الثقافة العربية وهناك آلاف الموظفين الذين يعملون فيها، لكن كل هذه المؤسسات التى ترصد لها سنويا مئات الملايين من الدولارات في موازنات الدول تهتم بكل شيء إلا نشر الكتاب وتعميم وجوده بين الشعوب.

وكأن إشاعة الجهل أصبح نهجًا رسميا لوزارات الثقافة العربية كافة.

وللأسف وبعد سنوات من شيوع ثقافة المهرجانات التي كانت متبعة في مصر، وكانت لا شىء سوى مجرد كرنفالات يحضرها العشرات دون استفادة حقيقية، فقد جاءت بعدها سنوات موات ثقافي بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، فمن سيئ إلى أسوأ.

إن نكبة القراءة في العالم العربي وشيوع الجهل وتعميمه جريمة فادحة يرتكبها المواطن المصري والعربي في حق نفسه، وترتكبها وزارات وحكومات ما بعد الربيع الفوضي العربي، فالقراءة تعني الرؤية والإحاطة والفهم والتجاوب مع الواقع ومعرفة الحقوق والواجبات وخلق أجيال مثقفة ومهذبة عقليًا وأخلاقيا ومعلوماتيا، المعرفة هى القوة أما الجهل فهو ميراث عصور الانحطاط والعصور الوسطى المظلمة ولا بد من إيجاد طريقة لتوديع هذه الحقب.