الشيخوخة هي سلسلة خسائر في تركيب ووظائف الجسم لا رجعة فيها ولا مفر منها، تظهر تدريجيا وبلا سابق إنذار، ولأهميتها أنشأوا لها فرعا في الطب لدراستها والبحث فيها هو "طب الشيخوخة"، وصاغ العلماء أكثر من عشر نظريات لتفسير حدوثها، في كل واحدة منها سبب ووجهة نظر، سنعرض بعضها لاحقا.
لا يتساوى الناس في ظهور علامات الشيخوخة، ولا تتساوى شيخوخة الأعضاء حتى داخل الجسم الواحد، وقد يتأخر ظهور علاماتها عند البعض لفترة طويلة حتى أطلق عليهم "الناجون" وهم قليلون جدا، وتبين امتلاكهم لجين نادر يسمى جين إطالة العمر، ومختصره (إف أو إكس أو 3 آ).
بعض العلماء له رأي صادم يقول أن الشيخوخة تبدأ بعد الولادة مباشرة ومنذ اليوم الأول من العمر، مخالفا رأي الأغلبية التي ترى أنها نزول من قمة الموجة الصحية الحاصلة ما بين سن 19-30، ويتفق أيضا مع الآية القرآنية "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا" (الروم 54).
من أبرز علامات الشيخوخة ما يلي: عند سن 30 أو قبلها بقليل، تتوقف العظام عن النمو ويقل استعداد المخ للتعلم، ويبدأ الشيب والصلع ببياض الشعر وتساقطه، وعند سن الأربعين أو حولها تظهر الحاجة إلى تصحيح النظر (عمل نظارة)، وفي سنوات لاحقة تتراجع حاستي السمع والشم، ويترهل الجلد وتظهر عليه تجاعيد وبقع داكنة، وتخف العظام وينكمش البدن وينحني، والنساء تتراجع خصوبتهن ويدخلن في سن اليأس، وحول سن الثمانين يصاب نصف البشر بالخرف وبياض عدسة العين (كاتاراكت).. وعلى المستوى الدقيق، يحدث ضيق في الأوعية الدموية ونضوب في الخلايا الجذعية وتعثر ومشاكل في انقسام الخلايا وتعويضها.
ولا تعتبر الشيخوخة مرضا بحد ذاته لكنها تمهد وتسهل لسلسلة طويلة من الأمراض، كما تلعب دورا في تحديد استقلالية أو اتكالية الشخص.. ومع ذلك، فهي لا تخلو من بعض المزايا كالخبرة والحكمة والوقار.
استنادا إلى سجلات وإحصاءات الأعمار، لاحظ العلماء أن النساء أطول عمرا ولديهن مقاومة للشيخوخة أكثر من الرجال.. دراسة أمريكية أشارت إلى أنه عند سن 65، يوجد 90 رجل مقابل 100 امرأة!.
وبالعودة إلى أسباب الشيخوخة والنظريات التي قيلت فيها، نظرية تقول أنه يحدث إتلاف في الخلايا من كثرة الاستعمال ومن الكيماويات الضارة في الهواء والغذاء، ومن هجوم الفيروسات عليها، أو بسبب الحرارة العالية والجذور الكيميائية السامة التي تقتل الجينات، كذلك بعض العادات السيئة كالتدخين. مثل هذه الإساءات تضر بتركيب ووظيفة الحمض النووي والأنسجة، ما ينعكس على حالة الجسم.
نظرية أخرى أشارت إلى دور للوراثة في صحة الجسم، وثالثة نوهت إلى أسباب اجتماعية، كاختلاف الأجيال وعدم التأقلم مع تغيرات وضغوط الحياة وسوء الحالة النفسية والشعور بقلة القيمة.
ومن النظريات اللافتة أيضا نظرية الحظ في الحياة. بمعنى أن الطفولة السعيدة والحب والضحك وحياة الطبيعة بين المزارع والحدائق و"شباب القلب"، كلها عوامل تؤجل الشيخوخة، بينما الاكتئاب وحياة المدن المكتظة وتوالي المصائب على البعض خصوصا عند منتصف العمر تؤدي إلى قصره، وهذا ما توصل إليه البسطاء قبل العلماء، عندما يردد أحدهم في لحظة ضيق: "عيشة تقصر العمر".
إذن، الشيخوخة هي توقف بصمة الحمض النووي عن إعطاء الأوامر أو بتعبير أدق توقف بعض الجينات عن العمل، ولا يتساوى الناس في ذلك فقد يشيب شخص أي تتوقف خلاياه عن صنع المادة الملونة للشعر ولا يشيب آخر، وقد يصاب شخص بالصلع وتصبح فروة رأسه ملساء لا معة ولا يصلع آخر إلى أن يموت.. وكل شيء بإرادة الله، فقد أطال الله في عمر سيدنا نوح إلى أكثر من تسعة قرون، وأوقف تأثير الزمن على أهل الكهف حتى أنهم ناموا أكثر من ثلاثة قرون واستيقظوا على نفس الأوصاف التي ناموا عليها!.
وهناك مرض عجيب يصيب بعض الأطفال يسمى الشيخوخة المبكرة (البروجيريا) فيه تختصر مراحل العمر فيدخل الطفل مباشرة في الشيخوخة دون أن يمر بمرحلة الشباب، فيصاب بالصلع ويموت ما بين العاشرة والعشرين متأثرا بكل أمراض الشيخوخة كتصلب الشرايين وارتفاع الكولستيرول وهشاشة العظام، وسبب هذه الحالة جين خاطيء يقوم بتصنيع بروتين مدمر للخلايا اسمه بروجيرين.
والشيخوخة تصيب الحيوان والنبات أيضا، إلا أن عددا قليلا من الكائنات لا يشيخ ولا يموت مثل البكتيريا التي تتحاشى الشيخوخة، وتجدد نفسها بالانشطار إلى نسختين شابتين باستمرار.
ويفكر علماء الهندسة الوراثية في إعادة تشغيل الجينات المتوقفة عن العمل والمسببة للشيخوخة، وكذلك نقل الجين المميز الذي اكتشفوه في خلايا المعمرين، ويعلقون آمالا عريضة على إمكانية زرعه لإطالة الأعمار.