تعتبر رواية فيلم «أرض النفاق» قمة النقد الاجتماعي الساخر، ودعوة لإصلاح النفس وتهذيبها من منظور الأديب الكبير يوسف السباعي عندما كتبها عام 1949.
وتحكي القصة ببساطة -وفي إطار كوميدي افتراضي- أن هناك شيخا طيبا من أولياء الله يقوم بتصنيع أقراص تعطى للبشر عن طريق الفم، منها أقراص للصدق والشجاعة والمروءة وغير ذلك من الصفات الحميدة في الإنسان. وعلى النقيض يقوم أيضًا بصناعة أقراص تبتلع أيضًا للصفات الرديئة كالكذب والنفاق والرياء وغيرها. وذات يوم يرميه القدر بموظف كحيان، تكلست طبقات جلده من كثرة العمل والأضابير التي كان يحملها كل صباح ومساء.
كان هذا الموظف يملك جينات وراثية كامنة تجيد العزف للأسياد لينعم برضاهم وجودهم وسخائهم. لكن الدنيا كانت تسير معه عكس عقارب الساعة، كلما قام بضبطها دارت في الاتجاه المعاكس، فيكتوى دومًا بجزاءات وظيفية ومعها عبارات نارية.
أخذ الموظف يسأل الشيخ الطيب عن أقراص للفساد الأخلاقي أو لقلة الحياء أو للنفاق، فيخبره أنها «خلصت لأن الطلب عليها زايد أوي لدرجة إن الناس وقفت صفوف، كالواقفين في طوابير الجمعيات الاستهلاكية، عشان تستلمها»، فسأله عن مصير أقراص الأخلاق والشرف والشجاعة والمروءة، فأجابه أنها «بايرة معلهاش طلب».
وأتساءل: أية عبقرية أتت ليوسف السباعي ليقوم بتشريح هذا المرض الاجتماعي بهذا الذكاء والبهاء! وهل كان النفاق متفشيًا لدرجة أنه حفز أديبنا الكبير ليكتب تلك الرواية العبقرية التي تفضح المنافقين؟
في هذا الإطار، وفي رواية فيلم «القاهرة 30» للأديب الكبير نجيب محفوظ، التي كتبها عام 1945، يطل علينا بطل الرواية محجوب عبد الدايم، الآتي من قريته إلى المدينة وقد قرر أن يبيع نفسه ويتخلى عن مبادئه وأخلاقه، ويبدلهم بآيات النفاق الكبرى، فيتحول إلى إنسان وصولي متسلق، حتى وصل به الأمر إلى ما وصل من الانغماس في الوضاعة والانحطاط الأخلاقي، فعمل قوادًا لزوجته مع رئيسه في العمل، الباشا الكبير، الذي دومًا ما كان يرضى عنه ويرفع درجاته كلما ارتفعت درجة رضاه عن خليلته.
أحقًا لا يزال المجتمع بخير؟