الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التحرش النسائي


لِكُل زمن سماته، وهي دائمًا وستظل أبدًا مزيجًا من الإيجابيات البارِقة و السلبيات المارِقة ، وهذا ما فَطَرَ اللهُ النفس البشرية عليه، ففي قوله الحكيم ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) صدق الله العظيم .

نفوس البشر ما هي إلا خليط من الخيرِ و الشر ، يمتاز كُل مِنَّا علي الآخرِ بمدي سيطرة نفسه علي ذلك الشرِ بداخلها ، ومدي سطوة الخير علي تلك النفس ! 

" النار مِن مستصغر الشرر " ، ولَم تكُن الجريمة الأولي علي الأرض إلا إيذانًا ببدء نار مُستعرة ، لتأكل في أَهْلِ الأرض إلي يَوْمِ العَرض !
تِلْك الجريمة التي حَمَلَت في رحمِها كل الجرائمِ التي عرفتها البشرية بعد ذلك ، فعندما قتل قابيل هابيل كان ذَلِك إيذانًا بميلاد كل الشرور التي تؤذي الشعور ، وتهدد بسرور الأنسانية ! 

تستوقفني دائمًا تِلْك الجريمة ، هل كان سبب تِلْك الفِعلة نقص في ( الدين ) أم في (الأخلاق )؟
لا شك أن (الدين )يُهذِب (الأخلاق) ، ولكن إن لم توجد ( الأخلاق ) بالأساس فماذا سيفعل (الدين )؟

بينَ خيوطِ الفجر البيضاء وخيوطِ الليل السوداء، يغرق العالم في جرائم شنعاء ، قليلُها يسهُل تصنيفه أنها جرائم مُرتبطة بالدِّين ، إما باسم الدين وذلك في غالبيتها، إما للجهل بصحيح الدين ، كالجرائم التي تُرتكب بسبب التفسير الخاطئ للقرآن الكريم . 

أما الغالبية العظمي من الجرائم فبمنتهي الأريحية يمكنك الحُكم عليها أنها جرائم نابعة من نضوبِ دربِ الأخلاق لهؤلاءِ الأشخاص!

فإذا أستعرضنا "جرائم " كالتحرش ، نجد أن المُتهم الأول هو ( الجهل ) الذي يجعل البعض يرفض وصف التحرش بالجريمة في الأساس !

وَمِن رفض الأسم لقبول الفِعل ، يرقُد المُتهم الثاني وهو ( رد الفِعل ) ! فالفتيات لا زِلن يبلعَن الإهانات و يتحملن الإساءات خوفًا مِن الفضائح !

موروثات ثقافية بحتة لا علاقة لها بالدِّين تمامًا ، هي المسؤولة عن تفشي الظاهرة بذلك الشكل المَرَضي ، فمِصر مُنذ ما يزيد علي العشر سنوات وهي تحتل المراكز الأولي عالميًا في التحرش! 

ذلك الفِعل السخيف ذو الوجه القبيح، له أنواع عديدة تختلف بأختلاف المُتحرش و قَدْر جرأته و قدراته ! فهناك التحرش الجسدي ، واللفظي ، و بالنَظرات ، ولن نقلل من بذائة الأشارات !

ولعلّ ما دفع مؤسسة الأزهر العريقة للخروج عن صمتِها والحديث المُباشر عن عدم التَذُرع بملابس المرأة ، هو حديث ديني الْقَصْد منه تبرئة الدين بوضوح من درانئ الأفكار المسمومة ، التي سمحت بأخذ مظهر المرأة كقرينة لأدانتها ومن ثم معاقبتها بالتحرش بها، كنوع مِن الردع ،حتي لا تُكرر فعلتها !

ولأن نصف حل المشكلة هو إدراك المشكلة ، فيجب أن نكون من الشجاعة ونعترف بأن التحرش ليس قاصرًا علي الذكور فقط ، فالهّوة الثقافية والأخلاقية التي نعاني مِنْهَا أنعكست علي النساء أيضًا ، فأصبح المجتمع يعاني من المرأة المُتحرشة كتفًا إلي كتف مع الرجل المتحرش!

والتحرش النسائي نوعان، النوع الأول وهو تحرش المرأة بالرجل ! موجود ولا داعي للإنكار ، ويمكن الرجوع لأحسن القصص في القرآن الكريم عن سورة سيدنا يوسف ، ألم تراوضه التي هو في بيتها عن نفسه ؟ ألم تقطع نسوة المدينة أيديهن عندما رأوْا جمال سيدنا يوسف ؟ 

فإذا أفسحنا المجال للرجل وسمعنا بآذان صاغية كما نُنصِت للمرأة ، فسنسمع الكثير عن التحرش الألكتروني والتليفوني ، ويتطور الأمر أحيانًا إلي المطاردة عملًا وبيتًا ويتعقد الأمر عندما تصل الحالة إلي ( ج) ويبدأ حديث التهديد و الوعيد ، و آه من حواء عِندما يتلبسها الشيطان العَنيد!

وإعمالًا لمبدأ الصراحة ، فأن بعض الفتيات بلغن من الوقاحة معاكسة الرجال في الشارع بمنتهي الراحة! 
نعم ، شوارعنا تشهد الْيَوْمَ تحرشًا نسائيًا بالرجال سواء كان لفظيًا أو بالنظرات ! ربما لم تمتلك النساء الشجاعة الكافية ( لمَدّ اليدّ ) بَعْد لكن وما أدراك ما سيحدث بالغَد ! 
فقد يكون التجاهل الذي تعاملنا به مع المُتحرِش اللفظي بالأمس هو ما جرّأ يدِّه أن تمتد الْيَوْمَ ، لذا فمن يدري إلي أين ستصِل النساء في ظِلِ نفس التجاهل الذي لا يؤدي إلا للمجاهِل! 

أما النوع الثاني فهو تحرش النساء بالنساء !! ذلك التحرش وقعه علي المرأة أسوأ بملئ السموات والأرض من التحرش الرجالي بها.
( نظرية المعاقبة ) بنفس المبدأ الذكوري ، سأمتهِن كرامَتِك بلساني ، وأكلها بعيني جزاءًا عادلًا لمظهَرِك !
و أنتقل الأمر من الشارع اللا إنساني إلى صفحاتِ التواصل اللا إجتماعي ، لنجد التطاول و الإهانات صاحبة الحظ الأكبر من ( اللايكات )! 

ولعل ما حدث مع دينا الشربيني في الجونة خير دليل ، فما أسمته كندة علوش دِفاعًا عن دينا " تنمرًا " لم يَكُن إلا "تحرشًا "واضح وصريح ، (الْعِقَاب علي المظهر ) ، ولَم تكُن دينا ضحيته الوحيدة فشعب (مهرجان الجونة )لم يسلم نساءً ورجالًا من قصفِ الجِباه ! 

(فُلانة )علي طولها و (عِلانة )علي لونها و (ترتانة ) علي سِنها ! (واللي ما يتسمي) علي بدلته وجمال هيئته وغيره من اللغط وكلام يُشبه الزَلط!

و إذا كان التنمُر هو التربص بشخص ما ومضايقته لفظيًا أو جسديًا ، لذا فالتحرش هو الترَبُص بالبشر بحسب تصنيفهم النوعي ، ولا شك أن الأثنان متساويان في المشاعِر السلبية التي تنتج بسبب تلك التجربة المُهينة من خوف وتهديد وعدم أرتياح وفقدان الثقة وعدم الأحترام و الترهيب! 
ولكن يختلفان في أن التنمر مرتبط بتكرار الفِعل لنفس الشخص بنية مُسبقة و مُتعمدة للأذية، أما التحرش فلا نية مُبيتة مُسبقًا ( زي ما تيجي )المهم الأذية! 

التحرش ما هو إلا نتاج ثقافة غائبة ، نفتقدها أخلاقيًا لذا فلن نُعالجها دينيًا فقط ، وهي ثقافة عدم التدخل في شؤون الغير ، الأباء هم أول المتهمون، فبذور التدخل فيما لا يعنيك نزرعها في نفوسِ الأبناء عِند سؤالهم ( صاحبك جاب كام ) ؟ كم مرة في الْيَوْمَ الواحد يسمَع الأبناء أبائهم وهم ضالعون في التدخل في شؤون الغير ( عملوا إيه و ليه ومنين وفين )؟

بالطبع لن ننكِر أن بعض حالات التحرش ناتجة عن مرض نفسي ، و بحاجة للعلاج الفِعلي والتقويم النفسي الصحيح، ولكنها الأقَليّة التي لا تعبر عن الحالة بصفة عامة ، وإلا فنحن شعب مريض نفسي رجالًا ونساءً شيوخًا وأطفالًا!

" شعب مُتديّن بطبعه " عبارة صحيحة ولا يُقبل التندِر بها ، لأن الدين هو ما حمي هذا الشعب من معدلات الأغتصاب المرتفعة، ففي جنوب أفريقيا ٤٠٪؜ من النساء تم إغتصابهن ، تشهد لندن ٢٣٠ حالة إغتصاب يوميًا للنساء والرجال أيضًا! بينما الهند بها حالة إغتصاب كل ٢٠ دقيقة وتنافسها زيمبابوي بحالة كل ٩٠ دقيقة!!

ولكن في النهاية " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت " ،ونحن بحاجة ماسة لتغيير التَرِكة الثقيلة من الموروثات لنغير الثقافات فترتقي الأخلاق .
وكأن الزمن لم يمضي قدمًا فمن ( اللت ) في البلكونات والطرقات في زمن الأبيض وأسود ( للعجن ) في الفيس بوك والواتس آب في زمن أَسْوَد ! بينهما أجيال حالها من سيئ إلى أسوأ ! والحل بسيط كُف عن التدخُل فيما لا يعنيك، ولا تنسي أن مَن راقب الناس مات همًا! ومَن ضايقهم قَتلَهُم غمًا!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-