كثيرًا ما تجري على ألسنة الرجال عبارة: "أيه المشكلة لما أتجوز تاني؟ ده ربنا قال كده في القرآن"؛ فأُسرع إلى القرآن الكريم لأتعرف على الآيات الكريمة التي يستخدمها الذكور العرب بتباه وغرور، لا يختلف عما يظهره الطاووس عندما تنتفخ رئتاه بالهواء.
نعم، لقد قال عز وجل:(وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ). وقد حملت الآية تفسيرات كثيرة موجزها أنه إذا لم يستطيع الرجل أن يأتي اليتيمة حقها أو يرفع الظلم عنها، فلينصرف عنها ويتزوج ما يشاء من النساء، من واحدة وحتى أربع؛ فالحديث جاء في سياق أحكام اليتامى.
وقد ربط الله عز وجل التعددية هنا بإقامة العدل بين الزوجات؛ وهو أمر يصعب تحقيقه لاسيما عدل المشاعر والعواطف بينهن أو الوفاء بالحق الشرعي لهن. فقد كان رسول الله يقسم الأيام بالعدل بين زوجاته؛ ولا يبيت عند زوجة من زوجاته في غير ليلتها إلا إذا استأذن صاحبة الحق في ليلته؛ وكان يطوف على زوجاته رضي الله عنهن جميعًا في ليلة واحدة، حرصًا منه على مشاعرهن. وبرغم زواج النبي محمد من السيدة خديجة (رضي الله عنها) وكانت تكبره في العمر ظل زوجًا محبًا وفيًا لها طيلة حياتها، ولم يفكر يومًا في الزواج بغيرها إلا بعد وفاتها، وكان قد تعدى الخمسين من عمره.
وبعد وفاتها كان لكل زيجة من زيجاته بُعدًا إجتماعيًا صِرفًا، فسودة بنت زمعة كانت أرملة طويلة جسيمة تفرع النساء، كبيرة السن، تزوجها لتقوم على تربية بناته من السيدة خديجة رضي الله عنها، وزواجه من صفية بنت حيي بن الأخطب اليهودي أو من مارية القبطية إنما جاء تطبيقًا للآية الخامسة من سورة المائدة، فيصبح نكاح نساء أهل الكتاب مباحًا؛ وزواجه من زينب بنت جحش كان لإجازة التزوج من طليقة أو أرملة الإبن بالتبني...وهكذا.
وفكرة التشبه هنا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في مسألة تعدد الزوجات إنما يجب الوقوف عليها عند المناسبة والغرض الذي من أجله تزوج النبي زوجاته...ونعلم جيدًا أن ابنته فاطمة (رضي الله عنها)، زوجة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، جاءت أباها شاكية زوجها لأنه أراد أن يتزوج عليها، فاستاء النبي وانتصر لابنته ورفض أن يتزوج علي عليها أثناء حياتها...وهو ما تم بالفعل.
لقد عارض النبي (الأب هنا) زواج علي بغير ابنته فاطمة. إنها المشاعر الأبوية، ذات البعد الإنساني، التي راعت الضرر النفسي الذي سيقع على الزوجة عند الزواج من غيرها، والذي قد يؤدي إلى ذبول المشاعر وضمور الألفة بين الزوجين...كان هذا زمن الصحابة، فما بالكم بأيامنا هذه! كيف سترد المرأة الضرر النفسي الذي سيقع عليها بسبب الزوجة الثانية؟ يكفي ما نقرأه في الصحف كل يوم عن القضايا الجنائية والسواطير والأكياس التي عرفت طريقها نحو ابن آدم، لأنه لم يقتد برسول الله في مراعاة الجانب النفسي والضرر الذي سيقع على زوجتة عند زواجه بأخرى.
إنها مشاعر المرأة مهما كان مستواها الإجتماعي أو التعليمي، فلا الوظيفة ولا المال أو الحسب والنسب يساوي عند المرأة لحظة قد تُجرح فيها مشاعرها كأنثى أو تحط منها. لذا أوصانا النبي بالنساء خيرًا في آخريات أيامه، بل ذات يوم شجب أنشجة قائلًا له: يا أنشجة رفقًا بالقوارير.
وبرغم أن فكرة الزوجة الثانية في بلدان عربية بعينها شائعة ولا غضاضة فيها، إلا أنه في بلدان أخرى تقوم الدنيا ولا تقعد بسببها، حيث تعتبر المرأة العربية ذلك إهانة لها وانتقاصًا من قدرها كأنثى، أوقدت أصابعها العشرة من أجل إطعام بعلها وراحته وسعادته، لكنه نقص على عقبيه.
إطمئني سيدتي...العيب ليس فيك، ولا شيء يشينك، إنها دناءة بعض الرجال ممن لم يفهموا صحيح الدين، وقيامهم باجتزاء النص القرآني للخروج به عن صحيح المقصد.
إطمئني، لأننا جميعًا غرقى في العيوب، مستترة كانت أم فجة الرائحة؛ فالكمال لله عز جل، الذي أقر العدل شرطًا كي تصبح لك زوجة ثانية، ولأنه أمر يصعب تحقيقه فقد قال تعالى:(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة).
يابن آدم إمسك عليك زوجك متى استطعت، وقل آمنت بالله ثم استقم؛ ولتعرف أن الشدائد تُظهر معدن الإنسان، وعندها ستكتشف أن الله رزقك بمن هي أهل لك لتحفظك حاضرًا كنت أم غائبًا.