خدوا بالكم دي مصر...

شهدت مصر نشاطا داخليا وخارجيا كبيرا خلال الأيام القليلة الماضية، فعلى الصعيد الداخلي قام بزيارة مصر الرئيس الفيتنامي، وهي الزيارة الأولى لرئيس دولة فيتنام إلى جمهورية مصر العربية.
عدد كبير من الشعب المصري قد لا يعرف أين تقع فيتنام، وما هي أهميتها؟، وتحديدًا أهمية الزيارة نفسها لمصر وفي هذا التوقيت؟
فعلى المستوى الشخصي وقبل أن أقرأ عن الأهمية الاقتصادية لدولة فيتنام بالنسبة إلى مصر، ترسخ لدي انطباع قوي من خلال التجارب الشرائية لعدد من المنتجات، أن منتجات تلك الدولة تتمتع بالجودة، بل وتنافس المنتجات الصينية، فمنتجاتها من حيث الجودة تعتبر أعلى جودة من مثيلتها ذات المنشأ الصيني، وتقريبًا في ذات المستوى السعري، لذا أصبحت حينما أشتري سلع وتتوفر لدي فرصة الاختيار، اختار مباشرةً المنتجات ذات المنشأ الفيتنامي، ومن الجدير بالذكر أنه تلاحظ لي انتشار منتجاتها بدرجة كبيرة في السوق الأمريكي تحديدًا.
وحينما بدأت البحث عن أهمية الاقتصاد الفيتنامي وموقعها الجغرافي، وجدت أنها تقع في جنوب شرق الصين، وعدد سكانها يتجاوز الـ 90 مليون نسمة، وكانت تتبع الإمبراطورية الصينية خلال فترة من الزمن، ومرت بظروف اقتصادية عصيبة وحروب متعددة قضت على طموحاتها التنموية لفترة ليست بالقصيرة، إلا إنها استطاعت أن تتخطى تلك الظروف، لتعلن عن انطلاقها وانضمامها إلى صفوف النمور الآسيوية، وتحقق معدلات نمو تتجاوز الـ 7% بدءًا من القرن الحادي والعشرين، لتصل إلى أعلى معدلات النمو الآسيوية بحلول عام 2011، بل وتتربع على عرش الصادرات العالمية لعدد من المنتجات الصناعية والزراعية، وتنافس في الحصول على أعلى معدلات تصديرية لعدد آخر من المنتجات ومنها الملابس والأرز، والمنتجات الجلدية، والشاي، والتوابل، والمنتجات البحرية، والأجهزة التكنولوجية.
فالاقتصاد الفيتنامي استطاع أن يحقق نموذجًا يحتذى به في تجربة الإصلاح الاقتصادي، واعتمدت على عوامل محددة لنجاح تلك التجربة، أهمها التركيز على النهوض بالتعليم، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتدريب العمالة، وتيسير إجراءات الاستثمار، وتحسين البيئة المؤسسية والتشريعية المدعمة للاقتصاد، فبتلك الإجراءات استطاعت فيتنام أن تجتذب المزيد من الشركات الصينية والأمريكية الراغبة في إقامة مشروعاتها على الأراضي الفيتنامية، لتقلل من معدلات البطالة لديها، وترفع من معدلات إنتاجها، وبالطبع زيادة الفرص التصديرية لمنتجاتها.
تلك هي التجربة الفيتنامية، التي إزددت إعجابًا بها عند قراءتها، فمصر خلال تلك المرحلة الاقتصادية، عليها أن تحاكي النموذج الفيتنامي، الأقرب إلينا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، فالتقارب المصري الفيتنامي في تلك المرحلة سيعود بالفائدة على الجانبين، وإن أردت الإنصاف، ستميل الكفة تجاه الجانب المصري، علينا أن نستفيد من التجربة الفيتنامية في النهوض بالتعليم، وتيسير إجراءات الاستثمار، وتدعيم الفرص التدريبية، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وجذب المزيد من الاستثمارات في المجالات ذات الاولية في الاقتصاد المصري، كما يمكن أن تكون فيتنام مصدر جيد لاستيراد الأرز والمحاصيل الزراعية التي تحتاج موارد مائية كبيرة، وقد نجد صعوبة في التوسع في إنتاجها.
وبالنسبة إلى فيتنام أرى أنها ستحقق فائدة اقتصادية ليست بالقليلة من تقاربها المنتظر مع مصر، فحينما توجه دولة مستثمريها إلى الأراضي المصرية، فلن يكون ذلك التوجيه على سبيل الشفقة، وإنما للاستفادة من الفرص التي لن تتوفر في أية أراضي أخرى، فالاقتصاد المصري في مرحلة النمو، والمستثمر الذكي يبحث دائمًا عن تلك البلاد ليوجه إليها استثماراته، بهدف تحقيق أعلى عائد متوقع، وهو الأمر الذي يمكن أن تجده وبمنتهى اليسر في مصر.
أما على الصعيد الخارجي، توجه فخامة الرئيس إلى عدد من الدول الآسيوية هي البحرين، والصين، وأوزبكستان، بصراحة كلنا كمصريين فرحنا بالاستقبال البحريني لفخامة الرئيس المصري، والذي جاء على أنغام موسيقى "رأفت الهجان"، تلك الموسيقى ارتبطت لدى وجدان الشعب المصري، والشعوب العربية، ببطولات جهاز المخابرات المصرية، لتلمس وجداننا وتعكس مشاعر الانتماء إلى هذا الوطن.
تلك النغمات التي لم يتعدى زمنها الدقيقتين نجحت في أن تعكس رسائل كبيرة إلى دول أكبر، الرسالة الأكبر التي أرسلتها إلى العالم بأثره، إننا وطن واحد، ولن يفرقنا أحد، ونجحنا في كشف مخططاتكم التي استهدفت تفتيتنا، ومن هنا أتقدم بالتحية على اختيار تلك النغمات، هذا من الناحية السياسية، أما التعاون الاقتصادي، فهو قائم ومستمر لا محالة مادام هذا الوطن متماسك، ويحرص على تدعيمه كلٍ من الطرفين.
خرج الريس من البحرين دخل على الصين.
الصين!، وما أدراكم ما الصين!، وليحضر المؤتمر الصيني الأفريقي.
فمعظمنا يتذكر مبادرة "الطريق والحزام"، تلك المبادرة التي أطلقتها الصين سنة 2013، استهدفت بيها ضخ استثمارات صينية تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار، في حوالي 68 دولة، في كلٍ من آسيا وأوروبا وأفريقيا، وذلك لتحسين البنية التحتية في تلك الدول، مش علشان خاطر سواد عيون تلك الدول، لأه طبعًا، علشان خدمة المصالح الاقتصادية الصينية في تلك الدول، ومفيش مانع يعود بالنفع على الأطراف الأخرى.
فوفقًا لم أعلنته الصين فأنه قد تصل تلك الاستثمارات إلى أكثر من 800 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة، محدش يتخض، الرقم مش كبير أوي بالنسبة للاقتصاد الصيني، يكفينا أن نعرف أن الصادرات الصينية للعالم تتجاوز قيمتها 1400 مليار دولار في العام الواحد، فلما تصرف 800 مليار دولار خلال خمس سنوات لخدمة تجارتها (صادرات وواردات)، أمر مقبول بالنسبة لها.
وفي ذلك الإطار، اهتمت الصين بدرجة كبيرة بدول شرق افريقيا، ومنها بالطبع مصر، ليتم توجيه تلك الاستثمارات الصينية في مجالات الطرق والطاقة، والتصنيع، والسكك الحديدية، وتطوير وربط الموانيء بهدف تحسين إمكانيات وكفاءة النقل البحري في الدول المستهدفة من جانب الصين.
وهو الأمر الذي تسعى من خلاله مصر، لتستفيد من تلك الاستثمارات، بتوجيهها إلى المجالات التي نحن في حاجة إليها في تلك المرحلة الاقتصادية، وبما يدعم تحركاتنا التنموية، ليتم التركيز على مميزات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجيستى واقتصادى يسهم بفاعلية فى تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية ويفتح افاقا استثمارية واسعة، وهو الأمر الذي يعود بالنفع على الجميع، لتبدأ البشائر بتوقيع عقود تنفيذية لمشروعات تنموية استثمارية تتجاوز قيمتها 18 مليار دولار.
وفي ختام الجولات الخارجية للسيد الرئيس، عدى على أوزبكستان.
بصراحة مكنتش عارفة من الأساس هيه فين بالضبط في آسيا!
عادي يعني، ما دي الزيارة الرسمية الأولى من نوعها لرئيس مصري إلى أوزبكستان، وبعدين الواحد مش حيعرف كل حاجة، لغاية ما قرأت وربطت الخيوط، لأعرف هوه إيه الموضوع؟ ولماذا تلك الدولة تحديدًا.
أوزبكستان تقع وسط آسيا، ولديها أكبر كثافة سكانية في تلك المنطقة، وهي دولة مسلمة، وكانت تتبع الاتحاد السوفيتي، وحصلت على استقلالها 1991، وهي بلد زراعي تتوفر به الموارد المائية فتنتج القمح والأرز والذرة والقطن، والحرير والأغنام والماشية والفرو، والزيوت، والألبان والغزل والنسيج، وتقوم باستيراد الكيماويات والأجهزة وعدد من الصناعات الغذائية، وبتلك الزيارة أرى أنه سيتم تدعيم العديد من المجالات أهمها السياسية والتجارية والاقتصادية، فيمكن أن نستحوذ على جزء من واردات أوزبكستان وبالتالي زيادة الصادرات الصناعية المصرية إليها، كما يمكن أن ندعم وارداتنا الزراعية من القمح والأرز والذرة ليتم ضم أوزبكستان إلى قائمة الموردين المحتملين إلى مصر، بهدف زيادة معدلات الامن الغذائي لمصر.
تلك هي الأحداث القليلة الماضية التي مرت بوطننا خلال بضعة أيام، والتي ربما قد تكون مرت مرور الكرام على الكثيرين، ليتم قراءتها في خبر، أو الاستماع إليها أو مشاهدتها في أحد البرامج.
لذا رأيت أن أركز عليها لأتعمق في أهداف تلك الزيارات والفوائد منها، لأخرج بنتيجة واحدة وهي إنها مصر يا سادة، قادمة لا حالة.