قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

فشل الاقتصاد التركي سببه انهيار السياسة الأخلاقية

×

لربما يدوم الفساد سنوات وعقود يقوم من خلالها المفسدون بجمع أكبر كمية من الربح الأعظمي من المال على حساب المجتمعات والشعوب التوقة للكرامة والحرية، لكنها أبدًا لن تستمر حتى مالا نهاية، إنها عجلة التاريخ الإنساني التي تحفر لها مسارا خاصا بعيدًا عن تدخل البشر مهما قوية سواعدهم وازدادت حيلهم وتفشى مكرهم.

الطبيعة الكونية لها منحى ومحور خاص بها تسير فيه وفق قوانينها هي ولا يمكن لأحد التحكم بها مهما عظمت أفكاره، بعكس الطبيعة البشرية والتي هي من صنعه هو، والتي بمقدور الإنسان التحكم فيها وتسييرها وفق إرادته أو مصالحه أو أهوائه وكذلك مطامعه. أيضًا، الطبيعة الكونية تسير ببطء وصير كبير حتى تصل لمبتغاها والتي من أجلها خُلِقَت، أما الطبيعة البشرية فهي متسرعة وتريد أن تلتهم العالم بمن فيه ببرهة ولمحة بصر نتيجة الجشع التي تعاني منه منذ بدء الخليقة وحتى راهننا.

معظم النُظم السلطوية الاستبدادية لا تعترف بالطبيعة الكونية على أنها هي الأساس في ما نعيشه، وما نحن سوى جزء بسيط جدًا من هذه الطبيعة التي انسلخنا عنها نتيجة هرولتنا نحو الإشباع المادي على حساب القناعة الروحية والأخلاقية، لذا، ليس من الصعوبة بمكان أن نُدرك أن كل الأنظمة البعيدة عن الأخلاق المجتمعية والسياسة الأخلاقية نهايتها سيكون الانهيار والسقوط المدوي مهما طال الزمن، ولن يكون بمقدورها هذه النُظم الخلاص من الانهيار الكبير مهما حاولت تكرار خداع الشعوب بمستقبل زاهٍ ورفاهية مزيفة بمجرد أن تبقى في السلطة.

تركيا التي تشكلت على حساب ملايين من الشعوب المقهورة والتي لاقت الإبادة والمجازر والدمار مثل "الأرمن، الكرد، العرب، التركمان، الشيشان، السريان"... إلخ، لن يكون بمقدورها التخلص من التصدع الذي تعيشه الآن من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى الاقتصادية والمالية، إنها النتيجة الحتمية لهكذا نظام فاشٍ نما وترعرع على دماء الشعوب والمجتمعات تحت مسميات شتى، وآخرها عثمنة المنطقة من جديد بغطاء إسلاموي لكن
أردوغان حينما يقول إن "كان لأمريكا دولارها، فلنا الله"، ما هي إلا دغدغة لعواطف ومشاعر البسطاء من الناس والسذج الذين لا يستطيعون التفرقة بين المنافقين والانتهازيين وبين الصادقين.

المشكلة في تركيا وإن بدت اقتصادية أو مالية ظاهريًا، إلا أنها أكبر من ذلك بكثير، وهي ليست وليدة اللحظة، أو على خلاف بين تغريدات ترامب وبين عنتريات أردوغان الخُلابية، بل هي نتيجة فشل السياسة الداخلية والإقليمية والدولية، وكأننا نكرر ما عاشته المنطقة منذ آلاف السنين من صراع الآلهة أو الأباطرة أو الجبابرة على ما سيحكم الشرق.

السياسة الداخلية الفاشلة لأردوغان ومحاربة كل من يعارضه ويزجه في السجون وكذلك تقرباته البراغماتية من حل القضية الكردية وتحالفه مع الفاشي دولت بخشلي، اللذان يعلمان جيدًا أن مصير وجودهما متربط بشكل مباشر مع حل القضية الكردية، ومن هنا عمل هذا الثنائي أردوغان– بخشلي اللذين عقدا اتفاقًا بينهما وكأنه زواج متعة بين "مثليين"، كل طرف لا يهمه شيء سوى مصلحته فقط وإن كانت على حساب الطرف الآخر أو حتى القضاء على كل مخالف.

وهذا ما أتحفتنا به الخلافة العثمانية على مدى تسلطها على منطقتنا عبر القرون الأربعة من حكمها. كم من سلطان قضى على إخوته وقتل أباه وأقرب المقربين من أجل البقاء في السلطة، العقلية العثمانية مستعدة لأن تبيع كل شيء من أجل مصالحها هي وليذهب الجميع للجحيم، هذا هو تاريخ العثمانيين وكل من سار أو يسير الآن على دربهم، لذا، ليس من المستبعد أن يزداد أردوغان استبدادًا وظلمًا على الداخل ولكن في الخارج لن يتعدى العبد والخروف المطيع، إنها قمة الانتهازية والنفاق والسياسة غير الأخلاقية التي يمكن أن يقوم بها شخص من أجل أطماعه.

الكل يُدرك أن سبب نجاح أي قائد هو احترامه لمجتمعه وشعبه ومحبته لهم، ليس العكس كما يفعل أردوغان، الذي يلزم أردوغان هو قليل من السياسة الأخلاقية وليس الدعم المالي إن كان من قطر أو رهط من الإخوان المسلمين، الذين لن يتعدوا من رفع القرآن للحكم في معركة صفين، السياسة من دون أخلاق تودي بصاحبها نحو الجحيم وإن طال الزمن. لذلك تبقى المجتمعات مستمرة في وجودها بخلقها للأخلاق وإن ذهبت أخلاقهم، ذهبوا.