الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قهر الرجال


منذ صغرها وهى تسمع دعاء أبيها وتلتقط منه جملة وتجد ابيها يقولها بحزن غريب وتضرع أغرب وهى (أعوذ بك من قهر الرجال)، وكانت تتعجب من وقع الكلمة عليها لأنها كانت تقشعر بدنها ولا تدري السبب. كبرت ولم يفتر أبيها عن ترديد هذا الدعاء فى كل وقت وكانت كلما وصل بدعائه للاستعاذة بالله من قهر الرجال ينتابها نفس الإحساس ، ومع أنها لم تكن متدينة تمام التدين فهى ترتدى الجينز وشعرها منساب على كتفيها وتسلم بيدها ولها أصدقاء من الجنس الآخر تخرج معهم ويعرفهم كل من فى أسرتها المكونة من اربع فتيات وصبى على الرغم من كل هذا كانت تشعر دوما بأن دعاء ابيها مخصص لها هى ولا تدري ما السبب .

 فى يوم استجمعت شجاعتها وجلست بجوار ابيها وتظرت اليه وتمعنت فى ملامحه الجميلة وخاصة خصلة الشعر الرافضة الانضمام الى اخوتها مفضلة الانسياب على جبهة ابيها مهما حاول ان يعيد شملها مع اخوتها ، قالت له وكلها حب ومحبة : دعاءك الذى نضبط ساعتنا عليه لماذا تأخر اليوم ؟ فضحك وقال : فروق التوقيت.. وصمت واستكمل بعد وهلة : عارفة ان أسوأ مصيبة تصاب بها المرأة هى ايه ؟ وجاوب على نفسه قبل ان تسأله ابنته : قهر الرجل لها . وصدمت هى باجابته فقد عاشت عمرها وهى متوهمة ان قهر الرجال هزيمتهم وضياعهم فى زحمة الدنيا او ذلهم على ايدى الظالمين ايا كان نوعهم ولكن ان يكون القهر بهذا المعنى وواقع على المرأة فهنا العجب العجاب . وحينها سألته مامعنى هذا ياابى اليس القهر معناه الغلبة والانهيار وبأنه واقع عليهم وليس بهم وعلى غيرهم ؟ وبعد نظرة حزينة من ابيها قال لها لا ياابنتى فقهر الرجال ينطبق على ذلك النوع الذى لايتقى الله فى عشيرته ويمارس عليها سلطانه مستغلا قوته او ماله او عافيته، وبالطبع ممعنا فى استغلال ضعف من يمارس عليها سلطانه وجبروته .. مضى على كلام ابيها سنوات مزقها حزنها على فقده ومن وراءه امها وتركها بلا ظهر ولا حنان بعدهما ،. ومايخفف حملها من الشوق والحب كان وجود اخوتها ونجاحها الوظيفى . وتمضى بها سنينها وتتزوج ممن احبته وكانت له سندا ودعامة وتدعيم ووصلت به الى الكمال ان صح التعبير ، فى رحلته معه كانت تعطى ولا تأخذ سوى سعادتها بأنه يرتقى سلالم المجد والشهرة والكسب المادى ، وكلما ازداد شهرة وغنى كانت تتيه فخرا وسعادة من اجله وهو كان على عكس ماتوقعت بأن يعوضها عما بذلته من اجله فقد تبدل حاله وتغير طبعه واحتدت معاملته وداوم على الهجر والهجران ووجدت نفسها بين سندان جبروته ومطرقة تركها معلقة ولاتجدى اية وسائل لمعرفة اسباب التغير والتغيير ، ورغم كل هذا تواصل حياتها على امل ان يحدث الله بعد ذلك امرا ولكن تمضى السفينة بما لايشتهى ربانها ولا راكبيها وتصل للارتطام والانكسار والانهيار وتتذكر حينها دعاء ابيها ولماذا كانت تقشعر له اوصالها فهاهى اصبحت ممن ذاقوا قهر الرجال ، فتبكى وتضحك فى نفس الوقت تبكى لانها كانت تشعر ان ابيها كان يختصها بهذا الدعاء دون اخواتها جميعهم وكأنه كان يعلم ماسيحل بها ؛ وتضحك لان اباها ظل يدعو طيلة عمره بهذا الدعاء ولم يستجب له الله وابتلاها بمن استعاذ به ابيها فى دعاءه الذى تربت وكبرت وهو يجول صداه فى اركان بيتهم العتيق وفى اذانها واوصالها يبقى ومعه جرح عميق ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط