قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حينما نفكر بشيء ونعيش شيئا آخر

×

كان من أبرز مظاهر القرن العشرين هو طغيان التنافس ما بين العقلية القوموية والدينوية أي (التعصب القومي والتطرف الديني) في منطقتنا، والتي تقسمت على أنقاض السلطنة العثمانية الممثلة للمتأسلمين. ظهور وانتشار فكرة القوموية على حساب الدين، كان أس الصراع بين الطرفين في مشروعية وصولهما للسلطة وحكم المجتمعات المختلفة من الناحية الدينية والقوموية.

وبجانب هذا الصراع كان هناك تنافس أثر بشكل سلبي على تطور المجتمع ودخوله في ثنائيات التصارع التاريخية الممتدة منذ آلاف السنين وإن اختلفت التسميات والمصطلحات. وهو التنافس ما بين الامبريالية والشيوعية. وانقسم العالم بموجبه إلى قطبين متنافسين فيما بينهما، وراح كل طرف يوسع من جبهته على حساب الطرف الآخر، وكل طرف يؤكد أحقيته بامتلاك الحقيقة التاريخية ومستقبل الانسان.

هذا التنافس أثر بشكل مباشر على منطقتنا وجعلها تدخل في عالم الظلمات والجهل وتغليب العاطفة على العقل وكذلك التمرد على الحوار وقبول الآخر، وانتشرت الثنائيات والهويات القاتلة للانسان، في حين كانت هي نفس الثنائيات من عوامل تطور البشرية عبر التاريخ.

لكن تفسير كل طرف الحقيقة وفق مصالحه الضيقة والسطحية أوصل بالمجتمعات لمرحلة التنافر بدلًا من الانسجام والتوافق. وتمزق النسيج المجتمعي نتيجة هذه الصراعات حتى أصبحنا ألعوبة بيد الغير والآخر ونسير بما تشتهيه القوى الدولية، إن كانت شيوعية أو رأسمالية غربية.

وتم إعلان نهاية التاريخ من قبل الرأسمالية على أنها هي فقط من تمتلك الحقيقة وكل شيء غير ذلك نحو الزوال أو سيتم القضاء عليه. وهذا ما نعيشه الآن من قتل وترويع وتدمير وحرق لكل شيء من أجل مصالح ومطامع الآخرين. أما نحن، فلسنا سوى أضاحي وقرابين على مذابح القوى الرأسمالية المتعطشة للربح الأعظمي.الشيوعي المرتبط بالمنظومة الروسية والعلماني المرتبط بالغرب وكذلك المسلم والمسيحي، العربي والكردي، الاسرائيلي والعربي، السني والشيعي، المتحضر والمتخلف، كلها مصطلحات كان أساسها "الأنا" على حساب "الآخر". فلأكن "أنا" موجود وليذهب الآخر إلى الجحيم.

ووصلنا لمرحلة الدوران في فلك المصطلحات والهويات القاتلة ونسينا أنفسنا واغتربنا عن ذاتنا ونسير نحو المستقبل المجهول نتيجة ما اقترفناه، حينما أنكرنا ذاتنا ووصمنا تاريخنا بالجهل ولم نعمل على تحسينه وتطويره وقتلنا كل من نادى بالإصلاح والنهضة وتمسكنا بما كان موجودا نقتات ماضي ذكرياتنا وماضينا الذي بات جزءًا من الماضي وتناسينا الحاضر والمستقبل على حساب العودة للوراء.

العالم ليس منحصرًا بين مصطلحين اثنين إما أبيض أو أسود، إما أن تكون معي أو أنت ضدي، وتفرد الأنانية على العمل التشاركي الجمعي. كل هذه المصطلحات كانت السبب الرئيس في تخلفنا عن ركب التطور المعرفي والفكري.

ونحن في القرن الحادي والعشرين علينا أن نقبل أن العالم لا يمكن أن يسير نحو المستقبل بنفس العقلية التي كنا نؤمن بها في القرن العشرين. فالعالم يمكن أن يكون متعدد الأقطاب والألوان والأديان والقوميات والأفكار، ولست "أنت" فقط من تعيش عليه، بل هناك "الآخر" الذي ينبغي علينا احترامه كما يريد هو وليس كما نفصل له نحن.

لا فائدة من التنديد بقرار الكنيست الاسرائيلي في قوموية الدولة اليهودية، مع العلم أنني ضد هذه الأفكار من حيث المبدأ. نعم، ليس هناك أي معنى في رفض هذا القرار، في حين معظم دساتير دولنا ومشيخاتنا تمت كتابته بنفس العقلية قبل عشرات السنين وليس الآن. فكيف نرفض قرار طرفٍ ما، في حين نحن من نصر على هذه المواد الدستورية ونقاتل من أجلها ونقتل كل من يرفضها.

أليست دساتيرنا تفرض اللغة والواحدة على حساب انكار عشرات اللغات الأخرى للشعوب الأصيلة والأصلية للمنطقة، وكذلك نصر على أن المصدر الوحيد لتشريع قوانينا هي من الدين الاسلامي ونعمل على تضييق الخناق على كل من يريد أن يمارس شعائر وطقوس ما يؤمنون به. فكيف لنا أن نرفض ما يريده الآخر في حين هو حلال لنا. هذا التضاد في الفكر والقول والممارسة هو أساس مشاكلنا وكل ما نعاني منه. لأنه حينما يقول العقل شيئا ونعيش بشكل آخر، وقتها سنمشي بشكل مختل وسنكون أضحوكة للآخرين وأداة بأيديهم. وهذا هو معنى حينما نفكر بشيء ونعيش شيئًا آخر!!

علينا نقد ذاتنا قبل أن ننقد الآخرين وعلينا أن نصلح أنفسنا لنكون قدوة للآخرين حينها يمكن للشعوب أن تصدق ما نفكر به وما نقوله. العالم متعدد الأقطاب والألوان والأديان واللغات، هو الحقيقة المخفية في ذاتنا وعلينا أن نعيشها حتى ندرك معنى الحياة.