حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن "الكلمة الطيبة صدقة، وأن البسمة في وجه أخيك صدقة"؛ والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وذلك في قوله تعالى: "ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ( 24 ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ( 25 ) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار( 26 )".
ويقول المولى عز وجل أيضًا: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم"، ومن هنا يحث الله عز وجل المرء أن يبادر بالكلمة الطيبة، فإذا ما بدأ بها زالت العداوة التي ربما وقعت في نفس الآخر من الإنسان فيصبح له وليًا حميمًا. ولم لا، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "أفشوا السلام بينكم"، فهل هناك ما يَّجُب السلام والمحبة حلاوة؟ وقال أيضًا "خيركم من يبدأ بالسلام"، ليؤكد على ثقافة الكلمة الطيبة، عندما يبادر الإنسان بتحية الآخر وكأنه يدعوه إلى المحبة وطرح البغضاء جانبًا، وكيف أن التحية أو الكلمة الطيبة مفتاح من مفاتيح الحب ونشر ثقافة السلام والوئام. أما إذا عجز المرء عن قول الكلمة الطيبة فليمسك لسانه حتى لا يؤذي الآخرين، "فإذا كان المرء يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في الجنة غرفة يُـرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. فقال أبومالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله ؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات والناس نيام". وفي موضع آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة." كما قال أيضًا: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه بها درجات" .
إن الكلمة الطيبة هي مفتاح الحب والسعادة والسلام الاجتماعي، وتفتح القلوب لتتعارف شعوب الأرض وقبائلها؛ فكم من الحروب والمنافرات نشبت بسبب كلمة خبيثة ألقاها شيطان من الإنس ليفسد بها بين الأمم؛ ويحدثنا التاريخ أن ملك الروم عندما أراد أن يوقف الثورة الاقتصادية التي بدأها الأمويون عندما سكوا عملة إسلامية خالصة، هددهم بأنه إذا لم يمتنعوا عند ذلك فسوف يذكر نبيهم بما يكرهون، أي بالكلام الخبيث. وفي موضع آخر أن هارون الرشيد، الذي كان يحج عامًا ويجاهد في سبيل الله عامًا، جاءه كتاب ملك الروم يحوى كلامًا خبيثًا وتحقيرًا من شأن خليفة المسلمين، فما كان رد هارون الرشيد إلا أن مزق كتابه ورد عليه قائلًا: الجواب ما تراه يابن الكافرة لا ما تقرأه.
ويروى لنا التاريخ جهود عمر بن عبد العزيز في توظيف الكلمة الطيبة لينشر بها الإسلام إعمالًا لقول الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"؛ حيث أرسل كتبًا إلى ملك الروم مرارًا يدعوه فيها للدخول إلى الإسلام، بل تعدى مرحلة الدعوة إلى مرحلة الحوار الديني بينهما.
وهكذا، فإننا نرتكز في ذاكرتنا التاريخية على فكرة الكلمة الطيبة لنلم بها الشمل ونواجه بها من يستعصي علينا أو يسعى إلى نبذنا والنيل منا بكلمة خبيثة؛ ولعل هذا ما نفتقر إليه هذه الأيام، ليس بيننا وبين الآخر، بل بين بعضنا البعض.
ومن ناحية أخرى فإنه ورد في الكتاب المقدس أن "الغم في قلب الرجل يُحنيه، والكلمة الطيبة تُفرحه" (سفر الأمثال، اصحاح 12)؛ وفي رسالة القديس يوحنا: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا"؛ أما القديس بولس الرسول فيقول في رسالته لأهل كورنثه: "أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ".
والسؤال الذي يجب أن نطرحه: كيف لنا أن ننشر ثقافة الحب، ما لم تكن الكلمة الطيبة هي سفير المرء إلى الآخر، وإكسير السعادة لكل من يصبو إلى السلام الاجتماعي، المرتكز على مصالحة النفس! ألم يئن الآوان لتصبح الكلمة الطيبة منهاجًا لنا نحو ثقافة المواجهة والتغيير، وزادًا للألفة والإلاف؟