كانت فى صغرها تسمع أمها تقول لإخوتها عندما يتجمعون فى بيت العيلة بعد غياب الأب والأم، كانت تقول لهم: "لازم نحرص على اللمة ديه ولو مرة كل شهر عشان من هنا وجاى العقد هينفرط"، وبما أن أمها كانت كبيرة الأسرة وهى التى تحرص على أن تجمع إخوتها وتشاركهم أفراحهم ويشركونها فى كل صغيرة وكبيرة بعد وفاة الأب والأم، فقد كانت بمثابة رمانة ميزان هذه العائلة.
صديقتى هذه لم تكن مجرد ابنة بارة بأهلها، بل كانت مركب حزن دائم دائمة الخوف من الفقد والقلق من أن تكون كأمها آخر الراحلين، وكانت دوما تدعو أن يبدأ منحنى الفقد بها حتى لا تكرر مأساة أمها، ولكن حدث ما لم تضعه فى حسبانها وما لم تتخيله ولو للحظة، ففى لمح البصر وفجأة فقدت ابنها البكر بهبوط حاد فى الدورة الدموية وانتزع منها الموت أقرب أبنائها إليها وأكثرهم عطفا وتعلقا وحبا لها، مات شابا لم يناهز العشرين من عمره.
وعندما علمت بوفاته وقد كان مسافرا فى مدينة أخرى للمشاركة فى إحدى البطولات التى كان يعشقها، لم تصدق ولم ترض وكذبت كل من قالوا لها إن بكرها غادر الدنيا ليلحق بكل من سبقوه إلى دار الحق، وجرت إلى أمها ووقفت أمام قبرها وظلت تطرقه بيديها وتقول لها: "لماذا لم تحذرينى من أقسى درجات المنحنى وهى فقد الابن؟ لماذا لم تحصنينى وتعلمينى كيف أتحمل فقد فلذة كبدى؟ أجزعتِ يا أمى من فقد أبويكِ وإخوتك؟ ولم تجربى فقد جزء منكِ، كنتِ تعدين معه وتستعدين لأيام جميلة يتخرج فيها ويتزوج وينجب، أمى عشتِ عمرك توصينى بأن أشبع من إخوتى، فلماذا لم تعرجى يمينا وتوصينى بأن أشبع من عمرى كله؟ أمى لقد ظلمتينى عندما حدثتينى عن أن الفقد هو فقد الأبوين والإخوة ولم تتحدثى عن أقسى فقد.
الدنيا ليلحق بكل من سبقوه
الى دار الحق وجرت الى امها ووقفت امام قبرها وظلت تطرقه بيديها وتقول لها :لماذا لم
تحذرينى من اقسى درجات المنحنى وهى فقد الابن ؟ لماذا لم تحصنينى وتعلمينى كيف اتحمل
فقد فلذة كبدى؟ اجزعتى ياامى من فقد ابويكى واخوتكى ؟ ولم تجربى فقد جزى منكى كنتى
تعدى معه وتستعدى لايام جميلة يتخرج فيها ويتزوج وينجب ، امى عشتى عمرك توصينى بان
اشبع من اخوتى فلماذا لم تعرجى يمينا وتوصينى بأن اشبع من عمرى كله ؟ امى لقد ظلمتينى
عندما حدثتينى عن ان الفقد هو فقد الابوين والاخوة ولم تتحدثى عن اقسى الانواع وهو
الضنا ، لماذا لم تحصنينى وتعلمينى كيف استقبل واتعايش مع هذا الصنف القاسى من الفقد
والفقدان ؟ امى اه لو ذقتى ماذقته لكنتى ادركتى كم احبك الله عندما ادام عليكى نعمة
ان تموتى قبل ايا من ابناءك .
اما انا ياامى فيساورنى
شك بأن الله لايحبنى لانه انتزعنى منى وأحال حياتى الى حزن دائم .. قومى ياامى ساندينى
، علمينى ، حصنينى ، واسمعينى لاقول لكى ان عقد الانفراط الذى واظبتى على تلقينى كيفية
اسعاده والشبع منه قبل ان ينفرط سبقهومزقه
وابتلعه حبة عقد عمرى كله انفرطت وبلا مقدمات تؤهلنى على التوقع والتأهب للفقد ، امى
كنت مثلك اتمنى ان ينتهى عمرى قبل اخوتى ولكن لم اكن احسب ان ربى قد أعد لى هذا القدر
وهل هو عقاب منه ام امتحان ام ماذا ياامى ؟ قومى ياامى لاننى ساقص عليكى المعنى الحقيقى
لانفراط حبات عقد العمر كله ..