الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قانون جاب الله!!


فور عودتى الى بلدى بعد اغتراب فى الخارج اكمل عشرين عاما استدعتنى صديقتى رفيقة كل سنينى من الحضانة وحتى الجامعة ، حدثتنى بصوت واهن تطلب منى ان ترانى فى اسرع وقت ممكن ،وعندما اكدت لها اننى فور انتهائى من ترتيب معيشتى بالطبع سنعيد معا ماافتقدناه فى غربتى .

ولكنها استقبلت كلماتى بحزن غريب لتعيد طلبها بسرعة رؤيتى .القيت حقائبى فسقطت منها صور لمن كان زوجى وكل مافى حياتى والان اصبح يحمل وصف "كان" وأزحت ماسقط عن طريقى مع سؤال داخلى لماذا أتيت بصوره معى ؟ استعجلت خطواتى وذهبت الى صديقتى وطرقت الباب ففتح لى ابنها البكر الذى طالما ارسلت له كل الهدايا لاننى كنت اعتبره ابنى الذى لم الده ..عانقنى وقبلنى ووقف مكانه .

فسألته عن أمه فدمعت عيناه وقال :لم تعد تعيش معنا فهى تعيش مع خالتى فى شقة الجدة بالمنيرة .

واستكمل حضرتك عارفاها صح ؟ وقبل ان يكمل حواره اقبل ابوه واخوه ، وارتمى اخوه فى حضنى باكيا ليأتى اباه ويطلب منى الدخول وينهر ابنه البكر انه لم يدخلنى ، وأدخل وانا فى حالة من الدهشة كيف تعيش حبيبته وام اولاده بعيدا عنه تراهما انفصلا ؟ تزوج عليها ؟ ابحث بعينى فى هذه الشقة التى جمعتهما اكثر من ربع قرن ابحث عن امرأة اخرى سلبت حبيبتى زوجها وعمرها ،فلا أجد سوى عبق حبيبتى فى كل مكان ، وأفيق على صوت جاب الله وهو زوج صديقتى يقول لى بمنتهى الثبات : اميرة عند اختها بتغير جو .وعندما يهم ابناه بالحديث او ربما بالتصحيح لما قاله ينظر اليهما فيصمتا صمتا مخيفا .

اجمع حيرتى وقلقى وانصرف ويصطحبنى احمد ابنها البكر الذى انهى دراسته فى كلية الهندسة . ويبدأ حديثه بحزن غريب ويقول : ماما مش هترجع تانى خالص ، انا عارف بابا اصدر احكامه خلاص ..ويبكى ويطلب منى الا أترك امه ابدا لانها فى مهب الريح ،ويرفض ان يتحدث عن اسباب ماحدث كما اننى لم اكن مهيأة نفسيا لسماع المزيد عن انهيار هذا البيت ونهاية اقوى قصة حب شهدتها اروقة المنيرة وشوارعها وحواريها. 

اسلم عليه متعهدة له بأننى عدت من غربتى ولن اترك امه ابدا ..الطريق من المقطم الى المنيرة بدا قصيرا لاننى كنت متلهفة للاطمئنان على صديقة عمرى ، وصلت الى بيت العائلة الذى طالما جئت فيه اليها وبكينا وفرحنا ودبرنا فيه مصائب شداد لكل من حاول ان يؤذينا انا وهى حبيبتى واختى وصديقتى ..بعد طرق على باب كما كان لم يتغير فتحت اختها هناء وملامحها كئيبة وعرفت ان زوجها توفاه الله منذ عامين وانها لم تنجب .

دخلت فوجدتها مستلقية على نفس السرير الذى جمعنا سويا وسمع ضحكاتنا واعترافاتنا وعاش معنا عمرا يحتضن جسدين لفتاتين كانتا قبلة كل الشباب فقد كنت انا متمردة كما كان يطلق عليا اهل هذه المنطقة وكانوا يقولون ان تمردى لاننى "حاسه بجمالى " اما هى فكانت فيرجينيا المنيره كما لقبها شباب المنطقة ،الكل كان يتمنى مجرد ان تلقى عليه سلام او ابتسامة وتصل سعادته عنان السماء اذا ضحكت له ، حتى التقت به جاب الله ذلك الشاب الحزين دوما والمنطوى على ذاته فقد حل جارا لنا معه امه واخوه واخته وعلمنا بعد فترة ان اباه ترك امه بعدما وقفت معه وساعدته فى ان يرتقى فى سلم التعليم العالى ويصبح محاسبا بعد ان كان من ذووى التعليم المتوسط وعندما اصبح كذلك كان اول مافعله ان تزوج على امه زميلته فى الجامعة، وترك امه وخيرها بين الطلاق والبقاء على ذمته فاختارت عدم الطلاق .

منذ ان رأته صديقتى واصبح كل اهتمامها ودوامت الحكايات عنه ومساعدته بأى طريقة .

ومضت سنوات الجامعة وصديقتى اصبحت مقربة من اسرة جاب الله التى تزوج اخوه واخته واصبح هو مع امه يسعد بها ومعها وقد كانت امه تتفنن فى اظهار محاسنه وحنيته ونقائه لتضيف الى صديقتى رصيدا شعوريا جديدا لجاب الله ،وتمضى بهما الايام ويتخرجا ويعملا كل فى جهة ويصارحها بحبه الجارف لها وتطير هى من الفرحة ويتفقا على ان يتقدم لها وعلى الرغم من معارضة ابويها واسرتها له لانهم كانوا يرونه مريضا نفسيا الا انها اصرت لتحول باصرارها رفضهم لقبول المضطرين ويتزوجا وتنجب منه ابنان ويحسده كل اهل المنيرة لانه امتلك ماعجزوا هم حتى عن تحقيق ابسطه وهو حبها او اهتمامها ..حتى مغادرتى وطنى كانت صديقتى سعيدة وفى سفرى كنت اتابعها وتراسلنى وتحكى لى كل شىء فيه الوان متعددة من السعادة الزوجيه ومنذ عامين او اكثر انقطعت اخبارها عنى ربما لانشغالى بما جد على حياتى وانهيارها وتنصل زوجى من حياته معى وصدمتى فيه لاكتشافى حقيقة كانت غائبة عنى عمرا طويلا عشته معه.

والان وقد عدت منكسرة المشاعر متقطعة الاوصال ولكنى كنت عازمة على بدء حياة جديدة بمساندة صديقة عمرى التى اراها امامى الان فى اسوأ مراحلها فقد اصبحت شبحا، هزيلة ، شاحبة ، صوتها كله حزن ..احتضنتها بشدة وفى خبايا ضلوعها شعرت بأنين والم اكدته لى نظراتها الحزينة ؛ حاولت جاهدة ان اكذب عليها واتغزل فى جمالها واؤكد لها انها كما تركتها ولم يترك الزمن عليها آثاره، ولكنها استقبلت كلماتى بعدم الاهتمام وربما بتكذيبها ، واشارت لى بالجلوس بجوارها وبدأت حديثها بصدمتها مما اعترى زوجها من تغييرات ومن جبروت يشبه جبروت ابيه عندما ترك امه معلقة حتى وفاتها حزنا على ماصنعته مع ابيه من معروف وماقابله بالخزى والغدر ، قالت لى : قانون جاب الله نفذ ونفذت اوامره بالامتهان لى والنكران والتعالى بل وبالنبذ وتحويلى الى مجرد شىء فى البيت ، تمادى فى احتقارى ولاادرى لماذا فعل هذا حتى اجبرنى جبرا على ان اصبح شىء بلا روح وعندما وجد اننى اتعايش معه كما يريد لاننى اريد البقاء والاستمرار معه ، لم يعجبه رضائى وواصل جبروته حتى اجبر اختى ان تأخذنى لتقوم على علاجى لاننى مرضت من طريقته معى ، وهو فسر مرضى بالمراوغة من القيام بوظيفتى الحياتية ، لى مايقرب من عام اعيش هنا وهو لم يسأل عنى ويتجاهل رسائلى وتهنئتى له بعيد ميلاده وزواجنا ، ابناىٓ عندما يزورانى يبكيان كثيرا لما وصلت اليه حالتى ،حدثته كثيرا وجاءت ردوده مقتضبة .

سألته عن الاسباب فرفض الاجابة ، طلبت منه العودة الى بيتى واولادى فأكد لى ان عودتى سيقابلها خروجه من البيت الى شقة ابننا التى اشتريناها ليتزوج فيها ، مناسبات عديدة حلت واخرى رحلت ولم يهاتفنى ولم يزورنى ،تعامله معى كان ينطلق من اننى اصبحت ميتة وان كنت على قيد الحياة ..وصمتت وانا لا اصدق ماتحكيه وارفضه رفضا لولا اننى اعلم صراحتها وصدقها وجاءت اختها واحتضنتها وهى تنصحها بان تنساه كما نسيها فاذا بها تطلب منى ان اعيده اليها وان عز ذلك الطلب فلتعرفى لماذا فعل هذا .. واعدها بأن افعل كل ماتطلبه واطلب منها ان تتعافى حتى نستعيد معا ماضيعته منا غربتنا عن بعضنا البعض واتركها واعود الى منزلى وانا مذهولة ومن كثرة مامررت به من اهوال عدم تصديق قانون جاب الله وايضا التساؤل لماذا كل هذا ؛ هل فى حياته اخرى ؟ هل يوجد شىء خفى حول كل الحب الى كل الكراهية ؟ هل والف هل ولم اجد اجابة تجعلنى اصدق ماسمعته وعرفته عن حياة صديقة عمرى التى جعلتنى انسى مامر بى مع من كان زوجى ، اسئلة وتساؤلات اعتصرتنى والقت بى على سريرى لاصحو على جرس الهاتف تخاطبنى فيه اخت حبيبتى وصديقتى تقول لى لقد ماتت اختى .

واصعق من هذا الخبر واحزن لاننى لم اذهب الى جاب الله عندما تركتها واقنعته بالعودة لاحقق لها ماتمنته ، حزنى اجمعه واذهب به الى صديقتى اودعها الوداع الاخير واعاهدها باننى سأعرف السبب واخبرها به وعندما اذهب الى جاب الله وارى معالم وجهه ونبرات صوته وانهياره اتراجع عن سؤاله واتأكد انه كان يحبها وان ابتعادها وبعدها لم يكن سوى اذعانا لقانون عاشه جاب الله مع امه واكتوى به من فعلة ابيه ولكنه لم يستطع ان يغير قانون جاب الله الظالم الذى ورثه من ابيه فنفذه على من ارتضت ان تستكمل نظاما عبودية جاب الله وعندما همت ولو للحظة بأن تعلن رفضها لهذا القانون ابتلعها ظلم جاب الله وتركها فاقدة معنى الحياة ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط