كم أنت عظيمة يا جدتي، كلما قرأت عنك أكتشف أنني لم أرق إليك يومًا. أفاخر بك أينما ذهبت، رغم أني لم أعش معك أو أراك؛ أفاخر بك وبكل مليكاتي تي، ونفرتيتي، ونفرتاري، وحتشبسوت وغيرهن.. جدتي الكبيرة التي عاشت بالحق وللحق، أنتِ التي جعلتي العدل سنة للكون وأساسًا للملك، وكيانًا للأسرة واستقامتها؛ أنتِ التي أمرت الجميع، من الملك إلى الوزير إلى الغفير، أن يدين لك بالحق، الكل تحت سمائك يرتوي من نبعك، نبع ماعت.
جدتي ماعت، خجلت من نفسي، أنا ابن القرن الحادي والعشرين، وأنا أتحدث عنك فلا أنا عملت بقولك، ولا أنا انتظمت في كونك...أستميحك عذرًا لي ولأحفادك، فقد تقاذفتهم الأيام، جيلًا بعد جيل، رغم أنهم بذلوا أقصى ما عندهم للحفاظ على ما تبقى من إرثك...فأنتِ نظام كوني سارت على هديه الحياة بأسرها، على الأرض وفي السماء، ونحن-والله-ما صُنَّا العهد ولا وصلنا الود.
كانت ماعت تمثل الحقيقة والعدالة والنظام والانسجام في الكون كله، بدنياه وآخرته. وقد مُثلت كامرأة جالسة مرتدية ريشة على رأسها. وكانت مسئولية الفرعون الأساسية هى تحقيق العدل (الماعت) والتمسك بنظام الكون. لذا كان يحمل لقب محبوب ماعت.
كان ميزان الآخرة ينصب في قاعة أوزوريس، بينما جدتي تستعد، فهي مقياس الالتزام عند كل امرئ حُمل إلى مثواه الأخير. ريشة الماعت في كفة من الميزان وقلب المتوفى في الكفة الأخرى؛ وتلكم هي النتيجة: من ثقلت موازينه كان في عيشة راضية، فيذهب إلى الفردوس الأعلى حيث النعيم الأبدي؛ ومن خفت موازينه فأمه هاوية إلى عمعم، ليلتهمه جزاء ما ارتكب من الذنوب والآثام في الدنيا. وكانت لماعت المبادئ أو الإقرارات الـ42 على لسان كل متوفى، وجميعها في صيغة النفي:
1) أنا لم أرتكب خطيئة
2) أنا لم أسلب الآخرين ممتلكاتهم بالإكراه
3) أنا لم أسرق
4) أنا لم أقتل
5) أنا لم أسرق الطعام
6) أنا لم أختلس القرابين
7) أنا لم أسرق ممتلكات المعبد
8) أنا لم أكذب
9) أنا لم أخطف الطعام
10) أنا لم ألعن (أشتم)
11) أنا لم أغلق أذني عن سماع كلمات الحق
12) أنا لم أزنِ
13) أنا لم أتسبب فى إيذاء مشاعر الآخرين
14) أنا لم أنتحب (أحزن) دون سبب
15) أنا لم أعتدِ على أحد
16) أنا لم أخدع أحدا
17) أنا لم أغتصب أرض أحد
18) أنا لم أتجسس على أحد
19) أنا لم ألفق تهمة لأحد
20) أنا لم أغضب بدون سبب
21) أنا لم أغوِ زوجة أحد
22) أنا لم أدنس جسدي
23) أنا لم أقم بإرهاب أحد
24) أنا لم أخالف القانون
25) أنا لم أتمادَ فى الغضب
26) أنا لم ألعن (أشتم) النترو
27) أنا لم أستخدم العنف ضد أحد
28) أنا لم أهدد السلام
29) أنا لم أتصرف برعونة (دون تفكير)
30) أنا لم أتدخل فيما لا يعنيني
31) أنا لم أتحدث بالمبالغة (النميمة)
32) أنا لم أفعل الشر
33) أنا لم يصدر مني أفكار/كلمات/أفعال شريرة
34) أنا لم ألوث ماء النيل
35) أنا لم أتحدث بغضب أو استعلاء
36) أنا لم ألعن أحدا بكلمة أو فعل
37) أنا لم أضع نفسي موضع شبهات
38) أنا لم أسرق ما يخص النترو
39) أنا لم أنبش القبور ولم أسئ إلى الموتى
40) أنا لم أخطف لقمة من فم طفل
41) أنا لم أتصرف بكبر وغطرسة
42) أنا لم أخرب المعابد
كانت تلك هي أسس العدالة التي عاش عليها أجدادي منذ آلاف السنين، مشكلة نظامًا للكون كله ومنهاجًا لحياة سوية؛ فأين نحن الآن منها، حين نتشدق بحضارة الفراعنة، وربما لا نعلم سوى قشور عن قيمتها الإنسانية، حيث كان العدل أساس الملك؛ وهنا أصبحت نصائح الفرعون تحتمس الثالث لوزيره رخميرع، التي ارتكزت على تحقيق العدالة، صورة من أبلغ وصايا الملوك الباكرة إلى وزرائهم.
ألم يأن الأوان أن يؤمن كل إنسان على أرض مصر المباركة أن تحقيق الماعت، العدالة بمفهومنا المعاصر، هي مسئولية كونية يشترك فيها المصريون قاطبة، ولا تقف عند قاعة محكمة ما، أو تبعة نلقيها على الحاكم ليتولى أمرها؟ أدعوكم إلى التأمل في مبادئ ماعت كي نسترد الإرث الذي انفرط عقده، لتظل مصر تاج العلاء في مفرق الشرق.