كلاكيت أول مرة:
في العام 1957 قدم المخرج عز الدين ذو الفقار للشاشة العربية رائعة الأديب الكبير يوسف السباعي "رد قلبي"، بطولة مريم فخر الدين (الأميرة إنجي) وشكري سرحان (علي ابن الجنايني) وصلاح ذو الفقار (أخو علي) وأحمد مظهر (البرنس أخو إنجي) وحسين رياض (الريس عبد الواحد الجنايني) وغيرهم.
وأعترف أننا جميعا ونحن شبابًا -عندما رأينا هذا الفيلم للوهلة الأولى- لم ندرك المغزى الاجتماعي والسياسي للفيلم بقدر ما تعلقنا بجمال ورقة الأميرة إنجي، التي أصبحت أميرة الأحلام لكثير من شباب جيلي وما قبله وبعده.
جاءت الأميرة بنت الذوات والحسب والنسب لترسم لنا صورة حية للنظام الطبقى الذي كان يسيطر على المجتمع المصري قبل ثورة يوليو 1952، وأصبح علي ابن الريس عبد الواحد الجنايني، العاشق الولهان بإنجي، يمثل طموح الطبقة الفقيرة بارتباطه بابنة البرنس، لاسيما بعد أن تمكن من أن يصبح ضابطًا في الجيش المصري، وإن كان بالواسطة، إلا أنه أصبح من طبقة الضباط. ومع ذلك، لم يشفع له هذا ليتزوج الأميرة إنجي، وكانت الصاعقة عندما تخيل الجنايني عبد الواحد أنه طالما أن ابنيه أصبحا ضابطين يمكنه الآن أن يتجرأ ويطلب يد الأميرة لابنه على ويكا. وكان الواقع أشد قسوة ومرارة علينا جميعًا، وقد حبسنا أنفاسنا أثناء العرض ونحن نتابع المساجلة الساخنة بين الجنايني والباشا الذي قام بطرده من القصر متهمًا إياه بالجنون. وتمضي الأحداث لتنتهي قصة الفيلم بالواقع المرير وهو أن ابن الجنايني لا يمكن أن يتزوج بنت الباشا.
والآن...مرت عقودًا على هذا الفيلم، وبرغم أنه ترك أثرًا في الأمة العربية كلها، إلاَّ أن قصة الأميرة إنجي وعلي ابن الجنايني ظلت عالقة بأذهاننا، وترق قلوبنا لها كلما رأينا فتاة تحاكي بنت الباشا في رقتها وجمالها.
كلاكيت تاني مرة:
وفي منتصف التسعينات تتكرر نفس القصة، لكن هذه المرة ليست على شاشات السينما بل على أرض الواقع، فقد قرر دودي الفايد (على ويكا) أن يتزوج الأميرة ديانا (بنت الباشا) ، معتقدًا أن ما يملكه من شباب وجمال وثروة هائلة جمعها أباه كفيلة أن توقع الأميرة الطائشة في حبه وتغض الطرف الملكي عن أصله...وجاء الواقع صادمًا، ليس لنا، بل للأسرة المالكة في القصر البريطاني، فقد تمكن دودي (المصرى ابن الإيه) أن يوقع البرنسيسة في حبه، وهاما غرامًا، وأصبح دودي وديانا قلبًا واحدًا وكادا أن يحققا المعادلة الصعبة التي طرحها يوسف السباعي، (هل من الممكن أن يتزوج ابن الجنايني من البرنسيسة؟) لولا تدخل أصابع خفيفة، استخدمها الشيطان، لتودي عمدًا بحياة العاشقين في نفق من أنفاق باريس. ويفشل ابن الجنايني أن يحقق الحلم.
كلاكيت ثالث مرة:
وفي شهر مايو 2018 طالعتنا الصحف بخبر موثق بالصور أن ابنة الجنايني أخيرًا تزوجت البرنس، ووجدت نفسي أقول انهض يا يوسف بك، أخيرًا تحقق الحلم وانتصر الحب، نعم إنه الحب الصادق الذي يجرف أمامه كل شيء، كانت إنجي وعلى ويكا صادقين في حبهما، غير أن قيود الإقطاع وتقاليده الصارمة حالت دون ذلك؛ واليوم بعد ما يقرب من ستين عامًا ينتصر الحب ويجرف التقاليد بجرافة العشق، ولا تملك الجدة من أمرها شيئا أمام جنون الأحفاد؛ فربما أشفقت على العاشقين من جنونهما فغضت الطرف عن تقاليد الملوك، وربما أعاد جنون العاشقين لقلبها شبابه فاستمرأت النظر إليهما وهما يقبلان بعضهما قبلة العرس.
كانت مفاجأة مدوية عندما تزوج الأمير هنري ابن دوق ويلز الأمير تشارلز والليدي ديانا سبنسر- التي لم تقل عن الأميرة إنجي رقة وجمالًا وخطفًا للأبصار والأضواء معًا- من الممثلة الأمريكية راشيل ميغان ميركل. ومع قراءة تفاصيل العرس الملكي بدأنا نضرب كفًا بكف، ونتساءل إذًا لماذا قتل دودي الفايد عندما فكر في الزواج من ديانا؟ فالقصة متشابهة، دودي وديانا و هاري وميركل!
تشير السيرة الذاتية لميركل أنها ليست أميرة ولا عمرها حلمت بذلك، فهي ممثلة سينمائية أمريكية لأب قوقازي وأم إفريقية ، بدأت حياتها بالعمل عارضة أزياء ثم نادلة ثم ممثلة؛ وقد سبق لها الزواج من الممثل والمنتج تريفور إنجلسون؛ وتكبر الأمير هاري بثلاث سنوات، وأخيرًا أصبحت بين عشية وضحاها أميرة ودوقة ساسكس؛ لكم كان المشهد عجيبًا والأمير تشارلز يمسك بيد أم العروس الإفريقية في حفل العرس.
تنهدت طويلًا وتنفست بعمق وقلت في نفسي إنها ثورة الأحفاد على تقاليد الأجداد؛ أخيرًا انتصرت إفريقيا وقُهرت بريطانيا بالحب؛ نعم إنها قوة الحب التي لا تقابلها قوة في العالم.